تعاملت دول المنطقة الخليجية بنجاح مع التداعيات التي أفرزها زوال المواجهة، والحرب الباردة في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم. كما عملت على تخفيض حدة التوتر الإقليمي والدولي، وفي ضوء هذه الوقائع تبلورت مفاهيم ومتغيرات على أساس أنّ العالم أصبح شمولياً في قضاياه، وتكاملياً في أجزائه، خصوصاً بعد قيام مجلس التعاون الخليجي كمنظومة استطاعت مواجهة الكثير من القضايا بأبعادها الإقليمية والدولية؛ كالتصدي للإرهاب، وقضايا البيئة والعولمة، والتنافس الدولي، واقتصاديات السوق والتكنولوجيا وأسعار الطاقة، وما إلى ذلك من أمور تتصل بالتنافس الاقتصادي. وفي ظل هذا الانفراج والتفاؤل وتحقيق الكثير من المكتسبات، فوجئت دول مجلس التعاون الخليجي بوقوع انقلاب في دولة قطر، حين قام حمد بن خليفة يسانده حمد بن جاسم بإزاحة الأب خليفة من الحكم، وإسناد مقاليد الحكم لابنه حمد بن خليفة آل ثاني. لقد اتسمت السياسات القطرية، بعد الانقلاب، بتغير في الأسس والتوجهات، وأصبحت تتبنى سياسات لا تخالف الإجماع الخليجي، فحسب، بل تنتهج أسلوب الدس والنيل من الإجماع الخليجي، وأصبحت الأهداف المعلنة التي تصرح بها القيادة القطرية لا تتسق مع حقيقة تصرفاتها، وبدأت تتصرف بمعايير مزدوجة في سلوكها السياسي وتعاطيها مع القضايا الإقليمية والدولية. ومن علامات ما بعد الانقلاب، أيضاً، أنّ النظام القطري شرع في استراتيجية تقوم على تقويض الأمن والاستقرار في المنطقة والدول العربية، وشن إعلامه الجديد، الذي تمت أدلجته ليواكب الأهداف المرسومة، حملات مسعورة ومنسقة لتقويض البلدان العربية، والإساءة لرموزها، علما بأنّ هذا الإعلام كان يتمتع بمصداقية نسبية عندما كان في لندن، وأصبح، فيما بعد، بوقاً لشن الحملات المغرضة ضد بعض الدول العربية وقياداتها مثل مصر، مما دفع بصاحب السمو الشيخ زايد آل نهيان -رحمه الله-، وهو الرجل الذي عرف بالحكمة ورجاحة العقل وسعة الصدر، أن يطلق رده المعروف في الصحافة، مؤكداً أنه لا يمكن المقارنة بين مصر وقطر، مستنكراً تصرفات وزير خارجية قطر، آنذاك، حمد بن جاسم. لقد استمر النظام القطري في تبني سياسات رعناء تعبث بأمن المنطقة من دون سبب وجيه، الأمر الذي يدل على ضعف الرؤية، والمراهقة السياسية، وعدم تقدير واقع الأمور لمسارات العمل المشتركة الرئيسة خليجياً وعربياً. وتكفي الإشارة إلى أنه أثناء الاجتياح العراقي الصدامي الغاشم لدولة الكويت، أصر الحاكم الفعلي لقطر في قمة المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، التي عقدت بالدوحة في العام 1990، على عدم الدخول لقاعات الاجتماع، ما لم يوافق المجلس أولاً على النظر في الخلاف الحدودي بين قطروالبحرين، والنزاع على سيادة جزيرة حوار وجزيرة فشت الديبل وجرادة، وهو ما تم له. النظام القطري، أصر حينها، على ذلك، وهو خلاف من المفترض أن يعد ثانوياً بين الأخوة أمام هول المصيبة التي حلت بالكويت، والحدث المؤلم الذي مزق شمل الأمة العربية وبعثر جهودها وشتت مواردها. إنّ موقف النظام القطري يجسد الخلل في الرؤية وعدم وعيها بالشؤون الدولية، وعدم إدراكها أنّ المنطقة تعيش مرحلة جديدة تمس تداعياتها استقرار الخليج، وتعزز إمكانية استغلال القوى الخارجية للخلاف واستثماره كذريعة من أجل التدخل والهيمنة. لم تعِ قطر ونظام الحمدين خطورة المرحلة، وما تواجهه دول المنطقة من تحديات حقيقية لم يسبق لها مثيل، بدلالة أنّ محكمة العدل الدولية في لاهاي في العام 2001، قضت بمنح البحرين السيادة على الجزر، بعد فضح أمر الوثائق كافة التي قدمتها قطر، وثبت أنها مزورة. في ضوء هذه الوقائع والأحداث المثبتة، ومن خلال التقييم المستمر لمواقف وسياسات الحمدين، فإنّ ما قامت به الدول الأربع من مقاطعة، ينبع من حق كل دولة في اتخاذ ما تراه ضرورياً للحفاظ على أمنها وسيادتها، وهو ما يتفق مع المواثيق الدولية. Your browser does not support the video tag.