ظهرت في الماضي عديد من الحضارات في العالم، مثل الحضارة في أرض مصر، العراق، اليمن، اليونان والأندلس، التي أسهمت في ازدهار كثير من المجالات، مثل الأدب، الفلسلفة، الطب، الاقتصاد، العمران وغيرها. نستطيع تعريف الحضارة على أنها الإنجازات الملموسة لمجتمع ما في أغلب نواحي الحياة، سواء اجتماعية، سياسية، أخلاقية، دينية، علمية أو عمرانية، التي تكون حصيلة جهود إنسانية بعد تفاعل هذا المجتمع مع البيئة المحيطة به، ما يجعل ثقافة هذا المجتمع تلاقي استحسان المجتمعات الأخرى، فينقلها ذلك من كونها ثقافة محلية إلى ثقافة عالمية يحتذى بها. والثقافة هي ما يتكون منها مجتمع ما، والحضارة هي ما يجب أن يسعى لها، وبذلك إذا أردنا صنع حضارة فيجب أن نبدأ بتثقيف المجتمع. ولأنه لا توجد حضارات معلبة فبالإمكان استيرادها من الخارج، لذلك على المجتمع الذي يريد صنع حضارة خاصة به أن يتحول إلى مجتمع ديناميكي منتج بشكل فعال ومتواصل. تتكون الحضارة من أربعة مكونات أساسية: رؤية اقتصادية طويلة المدى، منظومة سياسية قوية ومتامسكة، عادات وتقاليد أخلاقية وإنسانية سليمة، وأخيراً سعي مستمر للعلم والمعرفة والابتكار. وأول خطوة وأهمها لتأسيس حضارة هي استقرار مجتمع ما في مكان ما مع وجود كل متطلبات الحياة واستمرارها من مأوى وغذاء وأمن وغيره، ومن ثم رفع مستوى وعي وثقافة أفراد ذلك المجتمع وإحساسهم بالمسؤولية تجاه بعضهم بعضا، وتجاه مجتمعهم، ثم رفع درجة ترابطهم وتعاونهم وتكافلهم. من المهم أيضاً إيجاد طرق وأساليب ناجحة لتواصل أفراد ذلك المجتمع وتطويرها؛ لتسهيل نقل المعلومات والخبرات وتبادلها بينهم. على المجتمع الذي يريد أن يصنع حضارة لنفسه أن يطور قدرته على تحديد وحصر جميع موارده البشرية والطبيعية المتوافرة، واستخدامها بكفاءة وفاعلية ليرقى بمعايير الحياة، ويكون منتجا من الدرجة الأولى، مكتفيا بذاته، ومعتمداً على نفسه، وسندا لغيره من المجتمعات الأخرى. وكما كانت الحضارة الإسلامية حجر الأساس لكثير من الحضارات اللاحقة قبل أن تقضي عليها الخلافات والنزاعات والجهل والتعصب والعنصرية، فبالإمكان أن نبني تلك الحضارة العظيمة مجدداً. ولتحقيق ذلك لا بد أن نتبنى ثقافة التفكير الحضاري الحر، واحترام الاختلاف، وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية، إنما يثري عقولنا وأرواحنا؛ فالفكر الحضاري يدعم ويساعد كل فرد من أفراد مجتمعه مهما كان جنسه، عمره، مذهبه، انتماؤه، عرقه أو لونه، ويولي أهمية خاصة للمرأة وحقوقها، للطفل ونشأته نشأة صحيحة وسليمة، لطاقة الشباب المتفجرة، لحكمة كبار السن الثرية، ولا يهمل أياً من أفراد مجتمعه حتى مجتمع ذوي الاحتياجات الخاصة. Your browser does not support the video tag.