انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    «الأونروا» : النهب يفاقم مأساة غزة مع اقتراب شبح المجاعة    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    م. الرميح رئيساً لبلدية الخرج    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    «الأنسنة» في تطوير الرياض رؤية حضارية    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    إطلالة على الزمن القديم    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة الإنسانية في الإسلام مفهومها .. أساسها .. مقوماتها
نشر في اليوم يوم 01 - 09 - 2003

إن الإنسان اجتماعي بفطرته، فهو يسعى الى تكون حياة اجتماعية، يسود فيها التعاون وتتحقق فيها المصالح المتبادلة لجميع أفراد المجتمع، وبمقدار ما تكون الأسس التي تبنى عليها تلك الحياة صالحة عادلة فاضلة، يكون تحقيق السعادة للأفراد الذين يتعايشون في هذا المجتمع اقوى وافضل.
والاسلام كان ومازال، وسيبقى المعين الثر الصافي للمعاني والقيم العليا التي تشاد عليها الحضارة الانسانية، وذلك لانه يقصد الى تحقيق سعادة الانسان في الدنيا والآخرة، على اساس من الحق والعدل، والمساواة، والسلم العزيز.
فالاسلام نظام كامل محكم في مختلف جوانبه الروحية والخلقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
اما الضعف والتخلف والتأخر الذي كانت عليه حالة المسلمين في عهود الظلام والانحطاط، فهو في تلك العقول التي سرحت في متاهات الخيال بتأخير الوهم والحذر، فأخذت تفسر مفاهيم الاسلام تفسيرا منحرفا بعيدا عن روح هذا الدين، ومقاصده العامة، وتكاسلت عن البحث العلمي الصحيح فغدت تفسيراتهم المنحرفة مادة طيعة لاستغلال المستعمرين في سبيل اغراضهم السياسية والاقتصادية في البلاد المستعمرة، بما اوهم بعض الناس ان الدين هو الذي كان السبب في التخلف.
اننا في هذا البحث العلمي الموضوعي المجرد سنكشف الستار عن حقائق الدين الاسلامي، ومصادره، ومبادئه الانسانية، ونظرته الى الحياة، تلك الامور التي انتجت حضارة انسانية عريقة، ومازال العالم يقطف ثمارها الانسانية والعلمية حتى يومنا هذا والى ان يرث الله الارض ومن عليها.
مفهوم الحضارة الإنسانية
تمييزا لفمهوم الحضارة الانسانية عما قد يلتبس به من مفهوم كل من كلمة (ثقافة) و (مدنية) سنحاول اجمال هذه المفاهيم، وتوضيح ما فيها من صلات.
تعريف الحضارة الإنسانية:
الحضارة الانسانية كل انتاج او عمل تنعكس فيه الخصائص الفكرية والوجدانية والسلوكية للانسان الاجتماعي الواعي في اطارات من القيم العليا والمبادىء المثالية التي تسعد البشرية جميعا.
فاذا كانت القيم والمبادىء قيما ومبادءى اسلامية كانت تلك الحضارة حضارة اسلامية ويتبين من هذا التعريف:
أ- ان الحضارة مصاحبة للوجود الاجتماعي الانساني.
ب- للحضارة جانبان: الاول: هو مظاهر الرقى المادي، والثاني هو مظاهر الرقي المعنوي.
مفهوم الثقافة:
المعنى الاصطلاحي للثقافة هو: كل ما يتصل بالقيم الروحية، والقواعد الاخلاقية والانتاج الفكري النظري، والابداع الادبي والفني: اي كل ما يتصل بالمعنويات فقط.
مفهوم المدنية:
مفهوم المدنية قاصر على ظواهر الرقي المادي الذي يشمل جوانب حياة المجتمع جميعا، وعلى هذا فان مفهوم الحضارة يشمل مفهومي الثقافة والمدنية، اي مظاهر الرقي المادية والمعنوية في حياة المجتمع.
مفهوم الإنسانية:
الإنسانية: هي الخصائص التي يتصف بها الفرد، او مجموعة الافراد، او الأمة في اطار من الوعي الاجتماعي الخير الذي يتدرج رقيا في درجات الكمال، وتتجلى هذه الخصائص في الفرد او افي مجموعة الافراد، بنشاطاتهم وبعلاقاتهم بعضهم مع بعض، وتتجلى هذه الخصائص في الأمة، بعلاقاتهم مع الأمم الاخرى.
فالتعاون على البر قيمة انسانية، لان المجتمع الانساني الخير لا يقوم الا على روابط قائمة على التعاون والبر، قال تعالى(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) - المائدة :2)
والمحبة والمساواة والحرية والرحمة والإحسان قيم انسانية، اذا اتصف بها المجتمع، ارتقى الى درجات الكمال.
واما الاثر والانانية، والجشع والاستغلال والحقد والكراهية. فهي صفات غير انسانية، لانها تهدم كيان المجتمع وتحطمه.
وهي على هذا فان العلم النظري والتجريبي لا يكون انسانيا الا اذا كان موجها لخدمة الانسانية.
والدين لا يكون متصفا بالانسانية الا اذا كانت مبادئه وقيمه فوق الغرض والهوى والطائفية والمذهبية.
ولا يتضح مفهوم الإنسانية إلا إذا أخذنا فيه الاعتبارين التاليين:
أ- الانسانية تقاس بالكيف لا بالكم، إن الانسانية ليست مزيتها بالعدد والكثرة ، بل في الكيف والنوعية.
ب- الانسانية ليس من مقتضاها الذوبان في الغير: فاذا وصفنا امة معينة بأنها انسانية، فليس يعني تلك انها تذوب في غيرها من الامم، فتفقد هذه الامة بذلك وجودها وخصائصها ومقوماتها الذاتية، وانما نقصد بذلك ان علاقات افرادها تسودها قيم انسانية عليا، وان علاقات هذه الامة مع غيرها من الامم تقوم على اسس انسانية تهدف الى اسعادها واسعاد البشرية كلها.
ونقصد ايضا ان هذه الامة ليست عنصرية في نزعتها، لان الانسانية تنافى العنصرية، وهذا ما يؤكده قول الله تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) (الحجرات:13).
أساس الحضارة الإنسانية
في الإسلام
سبق ان بينا ان الحضارة هي نظام اجتماعي، او (طريقة حياة) تتسم بخصائص معينة، تبرز في كل مجال من مجالات الحياة، ومن الواضح انه لابد لأية حضارة من أساس تشاد عليه.
فما الاساس الصحيح الذي تبنى عليه الحضارة الانسانية؟ وقبل ان نذكر الأساس الصحيح الذي تبنى عليه الحضارة الانسانية في الاسلام لابد من الاشارة الى اهم الآراء حول هذا الموضوع.
الرأي الاول:(النظرية الاقتصادية أو المادية):
يفسر بعضهم نشأة الحضارة بالعوامل الاقتصادية او المادية، فالموقع الجغرافي الذي يسهل سبل الاتصال التجاري، او للثروات المعدنية الكامنة في الأرض، هي في نظرهم الأساس في نشأة الحضارة واستمرارها ونموها، وكل بيئة لا يتوافر فيها شيء من هذه العوامل المادية، لا تقوم فيها حضارة.
ويعترض على هذا الرأي ان دولا كثيرة ذات حضارة عريقة قد دالت وزالت دون ان يكون السبب الاقتصادي هو السبب العامل في وجودها، او سقوطها او زوالها.
كما ان دولا ذات نظم حضارية انسانية، قد قامت دون ان يكون العامل المادي او الاقتصادي كافيا لقيام مثل هذه الحضارة منها الدولة الاسلامية التي هضمت كل ما جاورها من حضارة قديمة، ثم افرزت حضارة انسانية ذات طابع متميز، نشرها العرب في بقاع الاغرض، على الرغم من جدب بيئتهم.
الرأي الثاني:(نظرية الجنس أو العنصر):
ويرى بعضهم ان اساس الحضارة كامن فيما تتميز به امة معينة من خصائص ذاتية (عنصرية) كما تقول النظرية النازية ان العنصر الآري متفوق على جميع اجناس البشر وهو المؤهل لتشييد الحضارة على الارض.
والنقد الموجه لهذا الرأي ان الحضارة الانسانية ليست حكرا لقوم بعينهم، وذلك لان البشر متساوون في اصل الفطرة، واصل الطاقات، وانما اختلاف في توجيه هذه الطاقات، وفي الهداف التي تصرف في سبيلها. والواقع التاريخي يثبت ان الحضارة لم تستقر في امة معينة من الامم طوال عهود التاريخ، وانما كانت تنتقل من امة الى اخرى، الامر الذي يؤكد ان سببا آخر غير ما ادعوه، لقيام الحضارة واستمرارها وازدهارها.
وعلى فرض صحة النظرية العنصرية، فان الدماء قد اختلطت، فلم يبق مبرر للادعاء بصفاء عنصر ما في العالم.
أساس الحضارة الانسانية من وجهة نظر الاسلام
ان الاساس الذي تقوم عليه الحضارة هو الانسان نفسه بما يحمله من مبادئ، وقيم فحيثما وجدت المبادئ السامية والقيم الانسانية العليا، وجدت الحضارة الانسانية في اسمى مظاهرها.
ولذا فقد توجه الاسلام اولا الى ترسيخ المبادئ القويمة، والمثل العليا في النفس الانسانية، لتكون المنطلق الصالح لتشييد حضارة انسانية صحيحة وسليمة.
فأساس الحضارة الانسانية في الاسلام روحي معنوي تنبثق عنه الفضائل الانسانية كلها، ويقوم على تقويم الفكر وتهذيب النفس، وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئا). النور - 55.
وقوله تعالى: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم، كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم، إن الله قوي شديد العقاب. ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الانفال 52 - 53. نستخلص مما سبق الامور التالية:
أ- الحضارة الانسانية تستمد وجودها وبقاءها، واسباب نموها وتقدمها - في نظر الاسلام - من القيم الانسانية الخالدة التابعة من العقيدة الاسلامية الصالحة. تلك العقيدة التي تحرر الانسان من عبوديته لغير الله، ومن نزعاته الفردية، وتحفظ عليه خصائصه الانسانية، وتمنعه من الانحراف في ممارساتها.
ب - ان الحضارة الانسانية لا تقاس بالتقدم العلمي، او الصناعي، او الآلي إلابمقدار ما يكون ذلك تعبيرا عن نيات انسانية صالحة، وبمقدار ما يستخدم في سبيل اهداف انسانية نبيلة، فقد يتخذ مثلا وسيلة لاهداف غير انسانية كالظلم والبغي، واستغلال الشعوب، واستعمارها واستعبادها.
ج- لا يلزم من وجود الرقي المادي في بيئة معينة وجود حضارة انسانية اذ قد يعيش فرد في بيئة راقية ماديا، ولكنه هو نفسه غير متحضر انسانيا والمثال على ذلك التفرقة العنصرية التي ترفع لواءها اليوم دولة من اعظم دول العالم في الحضارة المادية، فضلا عن ان هذا الرقي المادي قد استخدم في اشعال نار الحروب وفي استعمار الشعوب، او سلخها عن اوطانها، او افنائها ليحل محلها شعب آخر ظلما وعدوانا.
غير ان هذا الرقي لابد من ان يصيبه ما اصاب حضارات عظيمة لم تتسم بالطابع الانساني، سادت زمنا معينا، ثم اخذت على حين غرة، قال الله تعالى: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وإزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) (يونس 24).
مقومات الحضارة الانسانية في الاسلام
ان الواقع التاريخي يثبت ان المسلمين اقاموا حضارة انسانية تناولت مختلف جوانب الحياة المادية والمعنوية، فكانت مركز اشعاع على العالم كله، ومثالا يحتذى للانسانية جمعاء.
فما هي المقومات التي ارتكزت عليها هذه الحضارة؟
اولا - العقيدة:
العقيدة التي جاء بها الاسلام هي: الايمان بالله وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر خيره وشره من الله تعالى.
الإيمان بالله:
أ- حقيقة الايمان بالله تعالى: لقد دعا الاسلام الى الايمان بالله واحد لاشريك له قديم ابدي، خالق السموات والارض وهو على كل شيء قدير.
ب- طريق الوصول الى الايمان بالله: لقد طلب الاسلام الى الانسان ان يكون ايمانه بالله تعالى عن طريق التفكير والنظر والاقتناع، لا عن طريق التبعية والتقليد الاعمى، ولا عن طريق الوراثة.
فطلب اليه اولا: ان يفكر في نفسه وما منح من استعدادات وقوى.
قال الله تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات، 21.
وطلب اليه ثانيا: ان يفكر في الكون من حوله ويتحسس ما فيه من تنظيم وابداع. قال الله تعالى: (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة - 164.
وطلب اليه ثالثا: ان يستنتج من كل هذا الابداع انه لابد لهذا الكون من مبدع والمبدع يجب ان يكون واحدا قديرا سميعا بصيرا عليما.. وهذا هو الله سبحانه وتعالى، إذ يستحيل ان يكون هذا الابداع وليد المصادفة، فهذا الكون والنظام وما فيه من ابداع هو الطبيعة، ومحال ان توجد الطبيعة نفسها.
وفي جعل الاسلام التفكير والتأمل طريقين للوصول الى الايمان تقدير للعقل الذي كرم الله تعالى به الانسان على جميع المخلوقات، وتوجيه للإنسان ألا يؤمن بشيء إلا اذا قام البرهان على صحته، قال تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون) المؤمنون - 117.
أثر الايمان بالله في بناء الحضارة الإنسانية:
لا ريب ان الايمان يولد في نفس الانسان الشعور بالمساواة اذ ان افراد الله بالالوهية اشعار لبنى الانسان بأنهم متساوون امام الله وحده، وفي الشعور بالمساواة دعوة لبني الانسان بأنهم متساوون امام الله وحده، وفي الشعور بالمساواة دعوة لبني الانسان الى اقامة حياة مشتركة تسودها القيم الانسانية من غير تفريق او تمييز (فالخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله).
ومن ثمرات الايمان بالله وحده، الشعور بالحرية المنبثقة عن المساواة، فالايمان بالله يحرر العقلية الانسانية من الوثنية والطبقية والاستعلاء والسيطرة والايمان بالله الواحد يبني الانسان الحر الذي يقدر الحرية في نفسه اولا فلا يرضى ان يستعبده او يستذله احد، ويقدر قيمتها في الآخرين، فلا يمد يده اليهم بشيء من الظلم والاستبعاد، ولاشك ان الحرية هي الجو الصالح لتنمية المواهب والاستعدادات التي هي منشأ التقدم والرقي في جميع الميادين.
ومن ثمرات الايمان بالله الواحد انه يربط الانسان بالكمال المطلق الذي هو الله سبحانه الذي تستوحي منه كل المعاني السامية والفضائل والمثل العليا فالمؤمن يحب العدل ويكره الظلم لأن الله عادل، وليس بظالم ولا يحب الظلم، والمؤمن رحيم يكره الغلظة والقسوة، ولايرضى ان يكون جاهلا، لانه يعلم ان الله اتصف بالعلم ودعا اليه.
ولا ريب ان انسانا هذه صفاته لابد ان يكون قوة دفع ايجابية في بناء الحضارة الانسانية.
ومن ثمرات الايمان بالله الشعور بالمراقبة والمسؤولية - هذا الشعور الذي يكون الشخصية التي تحاسب نفسها قبل ان تحاسب فتقبل على كل ماهو خير لها ولغيرها، وتبتعد عما هو شر لها ولغيرها، وهذا هو اساس الحضارة الانسانية.
الإيمان بالملائكة والكتب والرسل:
ان الايمان بهذه الامور يعني الايمان بعناصر الرسالة والتشريع، فالملائكة هم الذين يبلغونها الى الرسل بكتب من الله تعالى.
وقد طلب الله تعالى الايمان بها لحكمة بليغة هي: ان الله القادر الحكيم، لم يترك عباده يتخبطون في اختيار المنهج للحياة الخيرة الفاضلة، اذ كثير ما يقع واضعوا المنهج والتشريع تحت تأثير الهوى والشهوات والضغوط فينحرفون عن الطريق القويم، ولكنه سبحانه رسم لعباده هذه الطريق الواضح لهذه الحياة، وما عليهم الا ان يسلكوها في ضوء المنهج الالهي المتجاوب مع العقل السليم والتفكير الصحيح.
فقد بين الله الخير والحق والحلال والحرام.. فلا مجال لاضاعة الوقت لتعرف ذلك، بل يجب ان تنصرف قوى الانسان وطاقاته للتنفيذ والتطبيق، وفي هذا دفع للانسانية الى انفاق الجهد في الميدان العملي المثمر، وصون عن إضاعته فيما لا يستقل العقل بمعرفته.
او فيما يمكن ان يتوصل له، ولكن بعد جهد طويل.
الايمان باليوم الآخر:
أ- حقيقته: اليوم الآخر هو اليوم الذي يبعث فيه الناس بعد ان يموتوا جميعا ليحاسبهم على اعمالهم التي صدرت منهم في الحياة الدنيا، فيكافىء المؤمنين المحسنين بالجنة، ويعاقب الكافرين والمسيئين بالنار.
قال تعالى:(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة: 7-8).
ب- ضرورته: ان الايمان باليوم الآخر ضرورة يقتضيها التفكير السليم، فلا بد ان يكون هناك يوم تتحقق فيه العدالة، ويعطي كل ذي حق حقه، والاسلام الذي بني على الايمان بالله وعدالته قرر ان هذا اليوم آت لا ريب فيه.
قال تعالى:(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبه من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين) (الانبياء:47).
ج- اثر الايمان باليوم الآخر في بناء الحضارة الإنسانية:
ان الايمان باليوم الآخر يغرس في نفس الانسان الطمأنينة، وذلك انه يؤمن بأن جهده لن يضيع سدى، وان عمله لن يذهب هباء، ويقضي على الياس والقنوات، ويحيي في نفس الأمل، ويدفعه الى العمل الصالح مادام يعتقد انه لن يحرم من ثمرات عمله عاجلا او آجلا.
* الإيمان بالقضاء والقدر:
وهذا الركن من الايمان يضفي على النفس الإنسانية الرضا، ويبعث فيها روحا جديدة لاستئناف العمل الصالح ومواصلته من غير توان ولا تقصير، وهو واثق ان ما قدر عليه بالغة لا محالة، وينجم عن هذا العمل البناء الحضارة الإنسانية.
ثانيا- العبادة:
العبادة هي نهاية الخضوع لله تعالى وحده عن رضي وطوعية ولها في العرف الاسلامي معنيان: عام، وخاص.
فالعبادة بالمعنى العام: تشمل كل عمل صالح يقوم به الانسان مبتغيا به وجه الله فالتجارة والزراعة والصناعة وطلب العلم.. وغير ذلك عبادة مادام العامل يقصد بعمله وجه الله تعالى.
والعبادة وبالمعنى الخاص: تقتصر على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والعبادة سواء كان بالمعنى العام او الخاص هي التعبير الصحيح عن العقيدة وهي الاسلوب العملي لتوثيق صلة الانسان بربه، وصلته بغيره من الفرد او المجتمع على نحو انساني مثمر - ولذلك كان للعبادة اثر كبير في بناء الحضارة الانسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.