كانت هناك عملية تغيير ديموغرافي تجري بتخطيط وثبات لأكثر من أربعين عاماً، تقوم بها أسرة الأسد وبمشاركة إيران فيما بعد، لهدف وحيد هو استمرار هذه الأسرة في حكم سورية مهما بلغ الثمن ومهما كانت الملحوظات. وكانت أغلب الأحداث السيئة التي شهدها المشرق العربي أخيراً، إما من صنع إيران وأذنابها، أو نتيجة استثمارها في الأزمات التي تعرضت لها المنطقة، ورغم طرح إيران لشعارات محاربة الظلم ومقاومة العدوان وغيرها، إلا أنّ ذلك لم يكن سوى عدّة تبريريّة استخدمتها لتحقيق غاياتها ومطامعها على حساب شعوب المنطقة.الأسد الأب مؤسس الطائفية عندما تولى حافظ الأسد السلطة عمل على استمالة الأكثرية من خلال تخفيف حدة التوجهات اليسارية للبعث، كما اهتم بمحاولات إظهار تماهيه مع هوية الأكثرية نفياً لتهم الطائفية عن نظامه، واستمر الأسد بالعمل على إفقاد الأكثرية مقومات التأثير عبر استهداف مراكزها في المؤسستين الأمنية والعسكرية والعمل على تعزيز حضور الأقليات في مؤسسات الدولة لا سيما العلويين، وإضعاف الأكثرية السنية بالشكل الذي يضمن ترسيخ نظامه. منذ نشوء التحالف الاستراتيجي الطائفي بين النظام الإيراني والسوري في العام 1979م، وضع نظام الملالي في طهران مع نظام حافظ الأسد الطائفي في دمشق هدف التغيير الديموغرافي لسكان بلاد الشام كهدف استراتيجي طائفي مشترك بينهما. جمعية المرتضى في نهاية السبعينات من القرن الماضي ومع تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الأسد والتي شملت أغلب مناطق سورية، أدركت هذه الأسرة أن سبيلها الوحيد للاحتفاظ بالسلطة سيكون عبر ضمان ولاء الطائفة العلوية وتحويلها إلى حرس خاص لهم، لكن مشكلة كبيرة واجهت أسرة الأسد وهي أن الطائفة العلوية تشكل ما يقارب 7 % من عدد السكان فقط، وهذه النسبة غير كافية حسب رأيهم لضمان استمرار سلطتهم لفترة طويلة، فقاموا بشكل مقصود بمجموعة من المحاولات لرفع هذه النسبة، ابتدؤوا بتقديم كل التسهيلات لعلويي تركيا ولبنان للحصول على الجنسية السورية، لكن انخفاض مستوى الدخل في سورية بالمقارنة بلبنان وتركيا بالإضافة لنمط النظام الأسدي المغلق خفف من جاذبية هذه التسهيلات وجعلها تقتصر فقط على من لديهم مشكلات معيشية أو قانونية في بلدانهم، وفي العام 1981 أنشأ جميل الأسد (جمعية المرتضى) والتي عملت على نشر الفكر المذهبي. أما رفعت الأسد فقد كان له اجتهاداته الخاصة في هذا الموضوع حيث كان يتكفّل بمصاريف زواج الكثير من جنوده -وهم من طائفة واحدة كما هو معروف- مع منح حوافز للإنجاب، بالإضافة إلى ذلك الدفع لتعدد الزوجات وكثرة الإنجاب مقابل مكافآت مالية!. وبالخطة نفسها للتغيير الديموغرافي قامت أسرة الأسد بإنشاء قطعات عسكرية كبيرة وحديثة التسليح وصافية من ناحية التكوين الطائفي، بداية من سرايا الدفاع وسرايا الصراع وانتهاء بالحرس الجمهوري، أما باقي القطعات العسكرية وأجهزة الأمن فقد كانت الأغلبية المطلقة من ضباطها وصف ضباطها المتطوعين من نفس الطائفة. توطين العلويين أنشئت أحياء جديدة ذات لون طائفي واحد لتوطين العلويين في المدن المهمة، من الأمثلة في دمشق: السومريّة في الجنوب وعش الورور في الشمال وسكانهما بالكامل من العلويين وبجوارهما المزة 86 من الجنوب وضاحية الأسد من الشمال وأغلبية سكانها المطلقة من الطائفة نفسها، بالإضافة للأحياء المرتبطة بالقطعات العسكرية كمساكن الحرس وجنود الأسد وغيرها الكثير وكلها صافية تماماً من الناحية الطائفية، فلا مجال لتعداد كل المناطق والأحياء، إضافة لشراء البيوت بأغلى أحياء دمشق من الأموال التي نهبوها من الشعب عبر السنين، والأمثلة التي نذكرها عن دمشق تنطبق على مدن اللاذقية وطرطوس وحمص وبنسبة أقل المناطق الأخرى، ومن خلال عمل 90 % من سكان الأحياء المذكورة في الجيش والأمن نستطيع تصور الحاجز النفسي الذي يفصلهم عن باقي سكان المدن المذكورة الأصليين، ورافق ذلك الاستيلاء على الكثير من الأراضي الزراعية وأراضي أملاك الدولة في جميع المناطق والمحافظات لحساب أطراف متنفّذة من الطائفة نفسها. الابن وانهيار التوازنات أدت سياسات نظام الأسد الابن إلى انهيار التوازنات المجتمعية التي أسس لها الأسد الأب، ولتتبلور تدريجياً معالم أزمة ديموغرافية ناجمة عن الأنشطة الإيرانية الرامية لإحداث تحول في نسيج المجتمع السوري عبر نشر الفكر المذهبي وهو ما أدى إلى زيادة ملحوظة في أعداد المنتسبين للمذهب الشيعي. ويدرك النظام جيداً أن قاعدته العلوية لا تزال أقلية رغم ارتفاع معدلات الهجرة لدى السنة ومن هنا يأتي اهتمامه بإحكام سيطرته على المناطق المسيحية والعلوية والدرزية والاسماعيلية، ويمنحه التحكم في هذه المناطق فرصةً لإيجاد توازن سني – أقلوي لصالحه، فهو يعلم أن عليه طرد ملايين العرب السنة ليصبح ميزان القوة لصالح الأقليات التي تدعمه، وهذا ما تحققه استراتيجية تفريغ المناطق الحيوية بمحيط دمشق وعلى طول الطريق الواصلة بين العاصمة والساحل من سكانها السنة. وقد أدت الأزمة الديموغرافية مع جملة الأزمات الاقتصادية والسياسية والتنموية والقيمية التي كانت تعاني منها سورية دولة ومجتمعاً إلى بروز حراك احتجاجي في مارس 2011 ليتطور الموقف تدريجياً إلى حرب مفتوحة مع انخراط إقليمي ودولي مباشر في الساحة السورية. الحراك الشعبي بدأ الحراك الشعبي في مارس 2011 في مناطق ذات أغلبية سنية دون أن يضفي ذلك عليه سمة مذهبية، فالشعارات المدنية والمطالب المطروحة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية محط إجماع، والأسلوب المتبع لتحقيقها سلمي، وقد ساهم ما سبق في استقطاب المزيد من المؤيدين للحراك خاصة من الأقليات وهو ما أدى إلى توسعه وحصوله على تعاطف إقليمي ودولي. أدرك النظام الخطورة التي يمثلها الحراك عليه وهو ما دفعه إلى تبني مقاربة قمع عسكري أدت إلى عمليات تغيير ديموغرافي قسري من خلال شن حملات عسكرية للسيطرة على الموقف الميداني في مناطق الحراك وارتكاب المجازر، مما دفع المقاومة الوطنية للانتقال من العمل السلمي إلى العسكري نهاية العام 2011، وقد تمكنت بفعل قوتها الذاتية وشرعيتها الشعبية من إخراج القوات الأمنية والعسكرية للنظام من مناطقها. أسباب النزوح ولقد شهدت مناطق سيطرة القوى الوطنية معدلات النزوح الأكبر وذلك للأسباب التالية: (أ) أعمال القتل والقصف الجوي بالبراميل المتفجرة وأحياناً السلاح الكيميائي، التي تقوم بها قوات النظام وميليشياته والجيش الروسي. (ب) الحصار والاعتقال العشوائي الذي تقوم به قوات النظام وانعدام سبل المعيشة، وفقدان الخدمات الأساسية كالصحة، والتعليم، والطاقة، وغيرها. (ج) تعذر وصول المساعدات الأممية للمحتاجين في المناطق المحاصرة. التهجير القسري استخدم النظام السوري والقوات الموالية له في عملية التهجير القسري أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية من أهمها: * القصف الجوي: يلجأ النظام والدول المنخرطة الى جواره إلى تكثيف القصف الجوي والكيميائي على المناطق المشمولة بمخطط التغيير الديموغرافي بهدف تدمير مقومات الحياة مما يدفع السكان للنزوح القسري عنها بحثاً عن الأمن والخدمات. o المجازر: ارتكبت قوات النظام والقوات الموالية مجموعة من المجازر على أساس طائفي بهدف ترهيب السكان ودفعهم لترك مناطقهم. o التضييق الأمني: يلجأ النظام عبر قواته الأمنية وكذلك الميليشيات الطائفية إلى التضييق الأمني على سكان المناطق المستهدفة بالتهجير القسري وذلك إما على حركة تنقلهم من وإلى داخل هذه المناطق، أو عبر اعتقال الشباب بذرائع أمنية أو بحجة الخدمة الإلزامية الأمر الذي يدفع السكان لترك هذه المناطق. + الحصار: اتبع النظام الحصار كسياسة للتضييق على سكان المناطق المشمولة بعملية التهجير، كما حصل في داريا والمعضمية وحمص والزبداني ومضايا وحلب والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق المهجرة. o تغيير الملكية وإعادة الإعمار: استغل النظام الحراك الثوري ليدفع باتجاه تسريع عملية التهجير القسري من خلال طرح مخططات تنظيم عمراني جديدة تهدف إلى طرد السكان الأصليين من مناطقهم ونقل ملكية هذه المناطق إلى وافدين جدد، ومن أشهر المناطق التي شملها النظام بعملية إعادة التخطيط العمراني منطقة المزة بساتين الرازي بدمشق (المرسوم التشريعي رقم /66/ تاريخ 18 / 9 / 2012) ومنطقة باب عمرو والسلطانية وجوبر بحمص (المرسوم رقم 5 لعام 1982 وتعديلاته) فيما يعرف باسم مشروع حلم حمص. اتفاقيات الإخلاء يمكن تعريف اتفاقيات الإخلاء التي تم التوصل إليها في سورية بأنها عملية تفاوضية ذات بعد ديموغرافي تجري بين ممثلي النظام والمقاومة المحلية بوساطة أممية، يتمخض عنها استعادة النظام المناطق التي تسيطر عليها فصائل المقاومة علاوة على تهجير من فيها من مدنيين ومقاتلين. ومما يلحظ أن محافظة حمص ومحافظتي دمشق وريف دمشق كانتا الأكثر استهدافاً باتفاقيات الإخلاء وهو ما يعد مؤشراً على توجه مقصود من قبل النظام وحلفائه، خاصة إيران، لتعزيز سيطرتهم على العقد الاستراتيجية فيما يعرف بسورية المفيدة من خلال تصفية مناطق سيطرة المقاومة، وإجراء تغيير ديموغرافي يعزز من أمن النظام وتموضع حلفائه في أي ترتيبات مستقبلية لسورية. كذلك تزامنت عملية التهجير القسري مع حدوث حالات إحلال سكاني في عدد من المناطق التي شملها التهجير ومن أبرزها: القصير وبابا عمرو والدريب والسباع والحميدية في حمص، أحياء العمارة والأمين والجورة والشاغور في دمشق، منطقة جنوبدمشق كالسيدة زينب وحجيرة والحسينية وسبينة والذيابية ويبرود وعقربا في ريف دمشق، قبر فضة والرملة في حماة. أما الأدوات المستخدمة في الإحلال السكاني فمن أبرزها: نقل الملكية للوافدين الجدد إما من خلال التنظيم العمراني أو شغل منازل المهجرين بالقوة، أو من خلال شراء العقارات السكنية والأراضي الزراعية إضافة إلى توفير الخدمات وإعادة إعمار المناطق المهجرة. أما الوافدون الجدد فيتوزعون بين الفئات التالية: علويون، ميليشيات شيعية، شيعة سوريون ومتشيعون جدد. إفقاد الأكثرية مقومات التأثير.. وتحويل العلويين حراساً للأسد النظام وحلفاؤه غيَّروا التركيبة السكانية بالحديد والنار.. ونظام «الحمدين» ساهم في المشروع الطائفي غداً (سورية المفيدة).. صناعة دويلة طائفية تجنيس الميليشيات بمزاعم «وطنية» قطر.. والدور المريب إن عمليّة التهجير القسريّة لأهالي بلدتيّ مضايا والزبداني في ريف دمشق الغربي إلى محافظة إدلب في شمالي سورية، وكذلك رعايتها تهجير أحياء وبلدات جنوبيدمشق، تُعدّ من أكبر عمليات التغيير الديموغرافي، تأتي بعد حصار النظام وحزب الله اللبناني لهما وتجويعهما عدّة سنوات؛ وذلك تنفيذًا للاتفاق الذي جرى التوصّل إليه وتوقيعه، وسط تكتّم شديد، من جانب ممثلين عن جبهة النصرة، وعن «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيا «حزب الله» اللبناني، وبرعاية قطرية. لقد رأت هذه الأطراف الأربعة في الاتفاق أنه يحقق مصالحها مجتمعة. واللافت للنظر هو دور قطر في إتمام الاتفاق، على الرغم من معرفتها برفضه من جانب عديدٍ من القوى السياسية والفصائل العسكرية المحسوبة على «المعارضة السورية» فقد أثار الاتفاق موجتي استنكار واستياء في صفوف سكان سورية عموماً وريف دمشق خصوصاً. التغيير الديموغرافي يعرف السوريون أن هذا النظام الذي سعى باستمرار لامتلاك الأدوات الكفيلة بتأبيد سلطته، لم يتوانَ عن ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر في سبيل هذا الهدف، ليس في الداخل السوري فحسب، وإنما في دول الجوار، وفي العالم أيضًا، حيثما يشعر أن هناك تهديدًا لسلطته، لكن لم يدر في خَلدهم أنه يُمكن أن يلجأ، في ظروف معينة، إلى اقتلاع الشعب من بيوته وقراه وبلداته ومدنه وتشريده في الداخل السوري وفي جهات الدنيا الأربع، وإحلال مرتزقة من شعوب أخرى مكانه. ومن المعروف أن النظام السوري وإيران دفعا نحو الاستقطاب الطائفي كوسيلة في محاربة الثورة. هناك إدراك عام أن التغيير الديموغرافي قد يكون من أخطر ما تتعرض له سورية، وذلك لأن آثاره تدوم علاوة على الفظائع التي تترافق معه، وما يجعل الأمر أكثر خطورة أن هذا التغيير هو جزء من الجهد الخارجي الذي يعبث في أرض سورية ويمزّق أسس قيامها الاجتماعي. وإن التصاعد الخطير لظاهرة إفراغ المدن، والمناطق داخل سورية، يأتي بأشكال مختلفة، ولدواع متباينة، وفق إطار تنفيذ نهج يقوم على هندسة اجتماعية؛ غايتها تغيير التركيبة الاجتماعية السورية، ونمو كل أشكال والتطرف، نتيجة التفاوت الكبير بعدد السكان على المستوى الوطني، أو الإقليمي بين هذا المحور الطائفي، وبقية المكونات للشعب السوري، مع العلم أن المسلمين السنة يشكلون نسبة 87 % من سكان سورية يليهم العلويون بنسبة 7 % مستخدمين كافة الأدوات الإجرامية، كاستهداف المناطق المأهولة بالسكان بأنواع الأسلحة، واحتلال الأرض، وارتكاب المجازر، واللجوء إلى الحصار، والتجويع تحت القصف، والقتل، والتدمير، ومصادرة ممتلكات الفارين، وتوطين أسر الميليشيات الشيعية والعلوية، كل ذلك من أجل تحقيق بنية جغرافية جديدة، تشكل أماناً ديموغرافياً لأي مشروع تقسيم، أو رسم لمناطق نفوذ مستقبلاً في سورية. Your browser does not support the video tag.