في العفاف، لا داخل المصرف، يكمن رصيدك الحقيقي الذي سيمدّ لك يد العون، خلال دروب الحياة. إنّ العفاف ليس ترفاً بمقدورك التغاضي عنه، ولكنّه ضرورة لحياة روحك، وجودة الرحلة التي تختطّها في هذه الحياة، وفي العالم الآخر. يقتضي العفاف أن تشحذ إبرة الميزان، فيما يطال قراراتك بأسرها - نيّاتك ورغباتك ومشاعرك وأفكارك وحديثك الداخلي مع نفسك وأقوالك وأفعالك -، بحيث تتّسم بالاحترام والطهارة والسموّ، والنأي عن الخسّة والرذيلة، أيّاً كانت. ويسري هذا الاستحقاق في جميع أحوالك، أثناء خلوتك وإبّان خلطتك بالآخرين. ويوم أن تكون كذلك، فأنت حتماً تتخلّى، ولكن من أجل الله. ومن المحال أن يغادرك الله هكذا، دون أن يكافئك من نعمائه. ويشبه الأمر بناية بطبقات. وكلّما ارتقيت فيها، كلّما شاهدت أكثر. فبقدر ما تسمو بالعفاف، بقدر ما يسبغ عليك الله من الخير الذي غير معهود، وممّا لا يجده سواك من قاطني الطبقات السفلى. وبالمقابل، ستخسر بمقدار انحدارك مع الخسّة والرذيلة. وفي واحدة من ثمراته الجمّة، يغدق عليك العفافُ الفيضَ الإلهيّ، وعطايا الله اللاملموسة، التي تهطل على قلبك، بغير حساب. بينما سيقصيها عنك انتهاكك الصارخ للعفاف، أيّما إقصاء. وفي شبه المؤكّد أنّ المعرفة والمواهب والقدرات التي بحوزة غير قليل من الناس، هي أدنى بأشواط ممّا في وسعهم أن ينالوا. ومردّ هذا إلى أنّهم، وجرّاء دأبهم على هتك العفاف، قد أوصدوا منافذ تلقّي الخوارق خاصّتهم. وفي سياق ذي صلة، تنبثق القوّة والشجاعة من رحمِ العفاف. في حين تحيل الخسّة والرذيلة صاحبها إلى هشٍ رعديد. وتماماً كما الخسّة والرذيلة، تتجلّى أمارات العفاف على المحيّا. فالعفيف ذو بهاء، ومتّقد الجذوة، ويعلوه السمت. بينما يضمحلّ البهاء، بالنسبة لمقترف الخسّة والرذيلة، وتذوي فيه الجذوة، ويخبو عنه السمت. وسوف تخفق سائر مساحيق تحسين الوجوه في شفاء هذا العطب. من جهة أخرى، يتحلّى العفيف بجاذبيّة فريدة، حيث يبعث للرائي ببريد مفاده: «إنّني لا ألقي لاستحسانك بالاً، ولكنّني مسكون بغاية أسمى وأجدى». وها هنا يتولّد الإغراء. إنّ العفاف معيار حاسم في جودة العلاقة بالله، وهو المقياس الحقيقي للتقرّب إلى الله. وحذارِ أن تندرج في عداد من يكدّون في (عبادة الله)، بيد أنّهم بمنأى عن العفاف سواء عفاف القلب، أم عفاف الجوارح. إنّ التعبّد الحقّ ليس فقط طقوساً تتم في أمكنة وأزمان. إنّما هو عقد مقدّس، وميثاق للشرف، ودستور أخلاقي متين بينك وبين الله، عموده الفقري القويم هو العفاف. إنّ الترقّي المتتالي الذي لا ينفكّ، في علياء العفاف، هو الذي يتعيّن عليك أن تتّخذه الشغل الشاغل لحياتك، مهما طال بك المقام. Your browser does not support the video tag.