إن الاطلاع على تجربة محمد عبده، مطاولة لخمسة عقود، نجدها ترتكز على خطين متوازيين، يغلب أحدهما الآخر. الأول اعتماده على ملحنين، يسعى إلى العمل معه بعد نجاحه مع حنجرة متميزة، ويجعل من العمل معه مورداً لتجربته في كل مرحلة، مثل: في الستينات طارق عبدالحكيم عرفت أعماله بصوته وحناجر عربية نجاح سلام وسميرة توفيق وفايزة أحمد، في السبعينات يوسف المهنا -عرف بأعماله مع شقيقه عبدالمحسن المهنا ومصطفى أحمد- وسامي إحسان -عرف بألحانه مع طلال مداح وإدارة أعماله لفترة- وفي الثمانينات عبدالرب إدريس -عرف بأعماله مع عبدالكريم عبدالقادر- والتسعينات ناصر الصالح -عرف بأعماله مع نوال-، والثاني اعتماده على الملحن الظل، المتفاوت في مستواه، مرة في ألحان تحاكي تجارب غنائية حداثية، مثل "أشوفك كل يوم" 1965 و"في أمان الله" 1975 و"من بادي الوقت" 1983 و"صوتك يناديني" 1984 و"جمرة غضى" 1988 و"اختلفنا" 1997 و"على البال" 1997 أو بألحان تبنى على أفكار أو ألوان متخذة من أغنيات عربية وأوروبية مثل "أيوه" 1975 و"مركب الهند" 1975 و"خطا" 1975 و"أرفض المسافة" 1989 و"لو وفيت" 1995، وفصيل من فنون أدائية متخذة من التراث النجدي والحجازي واليمني، ومرة في ألحان نافرة لملحني ضيافة شرف مثل: سمير الوادي "مطلق الذيابي" ومحمد محسن وأحمد عبدالكريم وسراج عمر وعدنان خوج وطلال باغر وصادق الشاعر.. ولعبده تجربة مغايرة في التعاون مع الملحن طلال، ففي ذروة انطلاق وتكريس هذا الاسم منذ 1982 ونجاحاته المتوالية سواء في إعادة اكتشاف صوت طلال مداح، ودعم جيل من الحناجر السعودية، مثل: علي عبدالكريم ورابح صقر ومحمد عمر وراشد الماجد، والعمل مع حناجر خليجية، مثل: عبدالكريم عبدالقادر ورباب وعارف الزياني منح عبده شريطاً ناجحاً "هلا بالطيب الغالي" 1986 تنوعت أغانيه، ومنها الجميلة – "لا تسرق الوقت"-، وشكلت منافساً قوياً لأغنياته الأخرى، فطغت على برامج حفلاته لمواسم عدة. وبعد أن جمع الملحن طلال بين صوتي مداح وعبده في استعراض "مولد أمة" 1989 لم يعد التعاون مع الثاني حتى مجموعة: "علمتها" 2004. ما زال التعاون حذراً في مجموعات متباعدة، مع نجاحات الملحن مع حناجر أخرى، فقدما "وحدك" 2009، و"بعلن عليها الحب" 2013، و"عالي السكوت" 2016، و"رماد المصابيح" 2017، والآن "عمري نهر" 2018. السؤال الذي يثير نفسه، هذا الملحن الزاخر يتطور، على عكس ملحنين سابقين ولاحقين، في تعدد أمزجة ألحانه، وتوظيف الإيقاعات، بقدرة إلى فيض النبع وجريانه نغماً، فهل هذه الحنجرة، ترتوي فقط؟. Your browser does not support the video tag.