لم تعرف الآذان هنا صوت أبي بكر سالم بلفقيه (1939 -2017) حتى انتقاله إلى جدة 1967، المركز الغنائي المجايل لبيروت والكويت، منتصف القرن العشرين، ومشاركته في التلفزيون والإذاعة وطباعة أغانيه، بشركة أسطوانات الجزيرة التي قدمته بلقب (بلبل الجنوب). ويثبت ذلك أن طلال مداح حين أدى «يا ورد محلى جمالك» (1966) – على الأرجح- نسبتها شركة توزيعات الشرق إلى الشاعر محمد الإدريسي والملحن عبدالله محمد، وأضفى عليها ملامح أدائه المميزة، فلا عرف صاحبها الأصلي أنه أداها أول مرة عام 1956. وعلى أن بدايات بلفقيه في إذاعة عدن بين 1956 و1958، وطباعة أغانيه عبر شركتي «أحلى نغم، صوت أمنية»، ورحلاته إلى بيروت المستمرة، وطباعة أغانيه عبر شركة موريكو، حتى 1975، مقابل أن مواطنه أحمد قاسم (1938 -1993) تلقى تعليمه الموسيقي بين القاهرة وباريس إلا أن ما بين بداياته حاملاً لواء التراث الثقافي الحضرمي، مقابل الصنعاني عند أيوب طارش والعدني عند محمد مرشد ناجي، وانطلق بجناحي الشاعرين لطفي جعفر أمان وحسين أبو بكر المحضار، بالإضافة إلى سفينة الحضارمة، أمثال: حداد الكاف، وابن شهاب، وابن بصري، ومحاولته بأغنيات كتبها لاحقاً لا تذكر بحناجر لبنانية، مثل: نازك ونجاح سلام وليلى شفيق. وأقول ما بينها وبين تكريسه بوصفه مغنياً يميزه الإصرار على كتابة وتلحين أغانيه بنفسه، على اعتماده أغنيات يكتبها ويلحنها له حسين المحضار تمثل ذلك في استقراره في جدة حيث تجنس بالسعودية، وظل لسانه حضرمياً، حتى أنه عندما سجل نشيداً من قصائد أبي القاسم الشابي «اسكني يا جراح» (1961) نطقه بها لا الفصحى!، ويمكن الاستماع إلى تسجيل «ليلة شعت» شعر أبي بكر التوي، أداء نازك والآخر لبلفقيه لاكتشاف ذلك. يمثل عقد الثمانينيات مرحلة لمعانه، حين أطلق «يا بلادي» (1980)، الذي يعارض قالب النشيد «بلادي» (1975) لسراج عمر كما أنه على مدى مسيرته ظل خارج التحول الغنائي الذي قاده عمر مع طلال مداح، ويوسف المهنا مع محمد عبده، وعبد الرب إدريس مع عبدالكريم عبد القادر، في الأسلوب الحداثي تعاملاً مع النغم والإيقاع والأداء، عبر الأغنية السعودية والكويتية، فأبدى بلفقيه أن لا علاقة له بذلك حتى عندما غنى للملحن إدريس في «عطني الحل» (1984)، والمهنا في «مجروح» (1989). أطلق بلفقيه، ذات الثمانينيات، أغانيه الناجحة تجارياً آنذاك، مثل: بدري عليك الهوى (1985)، غيار (1987)، يا سهران (1988)، وخاض تجارب غير موفقة في تلحين نصوص فائق عبدالجليل «غزاني الشيب، انت وين، لا تنادي». ولكن سيعود للمحاولة مع حناجر خارج الصندوق الحضرمي.. Your browser does not support the video tag.