بدأ مصطلح «التحوّل الرقمي» بالانتشار وبسرعة، وأصبح القطاعان الخاص والعام يطالبان بالتحوّل الرقمي لأنه الحل الأمثل لحل المشكلات والتي منها على سبيل المثال بطء تنفيذ المعاملات، وعدم رضا العملاء، وارتفاع التكاليف التشغيلية. فهل يُعد فعلاً التحوّل الرقمي العصا السحرية لحل تلك المشاكل؟ التحوّل الرقمي»Digital Transformation» هو عبارة عن توجه إستراتيجي لاستخدام الأنظمة الرقمية لتقديم أو تنفيذ الخدمات بدلاً من الأسلوب التقليدي. وهو امتداد للتحوّل الإلكتروني ولكنه يمتد بِنَا إلى مبدأ «Digitization» وهو الاستفادة من توفر التطبيقات الذكية مثل الهواتف الذكية، إنترنت الأشياء وربطها بأنظمة الذكاء الاصطناعي لتقديم خدمات أو تنفيذ الإجراءات بشكل ذكي، وذلك لتقليل التدخل البشري للحد الأدنى. فلك أن تتخيل مثالاً بسيطاً عن هذا المفهوم، وهو عندما يصل عميل إلى جهة معيّنة تبدأ شبكة الواي فاي أو الكاميرات بالتعرّف عليه، ثم عن طريق قواعد البيانات تتم معرفة الخدمة التي يرغب في تنفيذها فيتم إرسال رسالة له لتأكيد الخدمة، ومن ثم تنبيهه برقم التذكرة على هاتفه، وإنارة مسار لتوجيهه إلى المكتب الخاص بالمعاملة، وعند الانتهاء من تنفيذ الخدمة يتم التعرّف على مدى رضا العميل من خلال فحص تعابير وجهه بالكاميرات الحساسة، كما يتم حساب مدى سرعة تنفيذ الخدمة ويتم تسجيل وتقييم العملية دون الحاجة إلى تدخل بشري. المفهوم يعد توجهاً رائعاً وتم تطبيقه من قبل عدة منشآت عالمية، واستفاد منه البعض في إحداث تغيير في طريقة تعامل المستهلك مع الخدمة المقدمة. فكانت إحدى أهداف القطاع الخاص من تطبيق التحوّل هو إحداث تغيير «Disruptive» في السوق التجاري إما بعمل هزة أو خلخلة في سوق قائم وذلك باستحداث طرق مبتكرة لتقديم المنتج أو الخدمة، أو تحسين حصته في السوق بزيادة مبيعاته أو انخفاض تكاليفه. ومن الأمثلة الواقعية هو قيام أحد المتاجر الفاخرة بجعل موقعه على الإنترنت هو المتجر الرئيسي الذي يتم من خلاله عمليات الدفع والشراء والتوصيل بينما جعل من فروعه المنتشرة أماكن لتجربة وتفحص المنتجات فقط. وعند الحديث عن أهداف القطاع العام من تطبيق هذا المفهوم فهي لتقليل الأعباء والتكاليف التشغيلية وتحسين تجربة المستفيد من الخدمات المقدمة بالإضافة إلى تقديم خدمات جديدة مبنية على الأنظمة الرقمية والبيانات. اعتقد أنه يجب على أي جهة -خصوصاً القطاع العام- ترغب في التحول الرقمي أن تمر بمراحل سابقة قبل البدء بتطبيقه. فمن غير المنطقي أن الجهة التي لا تعتمد على البريد الإلكتروني في مراسلاتها وتعتمد على الخطابات الكتابية حتى في عقد الاجتماعات الداخلية، أن يتحوّل اعتمادها فجأة على رسائل وتنبيهات من الأجهزة الإلكترونية مثل أجهزة إنترنت الأشياء. فالبعض ينظر إلى التحول الرقمي إلى أنه مبني كلياً على التقنية، وهذا صحيح إلى حد ما ولكنه كأي تغيير يرتكز على عدة عناصر أخرى منها العنصر البشري، والعنصر الإجرائي، والعنصر التقني. ومن الأساسيات المهمة أيضاً لإنجاح التحوّل الرقمي هو وجود إجراءات موثقة معتمدة ومحسنة لتكون قاعدة يرتكز عليها التحول الرقمي. وبالإضافة إلى استعداد الجهة للتغيير، فيجب أن يكون الاهتمام بالتغيير من أعلى مرتبة إدارية في الجهة، حيث إذا أولت قيادة الجهة جلّ اهتمامها بهذا التحول فسوف يكون عنصراً مهماً في تحقيق النجاح المراد بإذن الله. وحيث صادف انتشار المفهوم انطلاقة رؤية المملكة 2030 وتوجه ولاة أمرنا -حفظهم الله- بالتحول في عدة مجالات منها المجال التقني. أصبح التحول الرقمي هو حديث الجهات الحكومية وسارعوا في البحث عن شركات استشارية عالمية لإعداد الخطط والمساعدة في تنفيذها. وتقوم تلك الشركات بتقديم خطط مفصلة بمفهوم إما تقني بحت أو مبني على ممارسات لجهات متقدمة أو منشآت قامت بتغيير جذري شامل دون دراسة واقعية شاملة. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من تلك الخطط حبيسة الأدراج وذلك لصعوبة محاكاة ما قامت به تلك الجهات لانخفاض جاهزية بعض الجهات الحكومية مقارنة بتلك التي في الدول المتقدمة أو لاختلاف الأنظمة واللوائح. وربما لا يوافقني البعض ولكن أرى أن إعداد الخطة بمساعدة أبناء البلد يُعد أحد أهم الأسباب التي تزيد من فعالية المخرجات. حيث إن ابن الوطن أعلم بأنسب الممارسات في تسهيل الإجراءات التي سوف يتجاوب معها المجتمع بدلاً من البحث عن ممارسات مطبقة عالمياً لا تناسب ثقافة مجتمعنا. فبدون تجاوب من العميل الأساسي للخدمات فستؤول تلك الجهات إلى العودة للأسلوب التقليدي. بالإضافة إلى أن أبناء الوطن أصبحوا مطلعين بالتجارب العالمية بعد نجاح البرامج التطويرية التي قامت بها مملكتنا الرشيدة، حيث تجدهم في المحافل العالمية من المتميزين والنابغين ولله الحمد. وأختم مقالي بمقولة طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، والتحول يبدأ بتغيير بسيط. وعندما نخطط نجعل هدفنا كبيراً ونبدأ بوضع حلول ومشروعات صغيرة مترابطة تقودنا لتحقيق ذلك الهدف لنصل جميعاً إلى تحقيق رؤية المملكة 2030 بإذن الله. Your browser does not support the video tag.