الجاهزية التامة جزء من العطاء، في أي مجال كان، في النثر والشعر وغيرهما، وأعني بالجاهزية كل ما تعنيه الكلمة من استعداد وقبول وارتياح ورغبة وتوافق كامل بين كل تلك المكونات، كما تعني حضور الأدوات الحسية والمعنوية والتهيئة للشاعر والوسط المحيط به، وتقبله هو كشاعر يستجيب لنداء داخلي لكي يستجيب للنداء الخارجي من المحيطين به ممن يرغبون في تلقي القصيدة أو الأبيات الشعرية وغرضها. ولكي تتضح الصورة عند المتلقي حول معنى الجاهزية فخير من يوضحها الشاعر نفسه عندما يقول في بعض المواقف: لا أستطيع. فالشاعر في بعض الأحيان مثل غيره يقف عاجزاً عن التفاعل مع الحدث حتى ولو كان هذا الحدث يفترض أن يكون مؤثرًا بشكل كبير في رؤيتنا، لكن الشاعر في وقت من الأوقات لا يقوى على التعبير لأسباب تتعلق بتفاعل الشعور والإحساس لديه، إنه والحالة تلك لا يملك الجاهزية كيفما أراد ومتى ما طلب منه. يقول الشاعر إبراهيم المفدى: أنا والقصيد الزين ريفي من العوماس وإلى زان شعري يقعد الرأس من نومه ومرات مدري ويش عباس من دباس تقفل علي أبوابها تقل ملحومة ليس الشعر في جيب الشاعر متى ما رغب هو أو رغبنا نحن في سماعه؛ مد يده وناولنا ما يناسب مطلبنا، وليس الإحساس والشعور في أدراج يفتحها الشاعر لينتقي منها مشاعر الفرح فينظم قصيدة تفرح السامعين أو مشاعر حزن فينظم قصيدة رثاء يشارك المحزونين حزنهم، وإن كان في مقدوره أن يعيد شيئاً مما مضى فلا يعني أنه قادر على الجديد متى ما طلب منه. الشاعر قد لا يحزن حتى ولو كان في موقف محزن ولا أن يفرح في مواقف الفرح، أما إن حاول اصطناع الموقف المناسب دون استجابة داخلية بدا ذلك في تراكيب القصيدة ومعانيها كما الفاكهة الفجة خالية من الطعم والذوق وهي إلى المرارة أقرب. ومن المؤكد أن حضور المفردات المصاحبة للشعور والمتوافقة مع الإحساس الفعلي لها صفة الاستقلالية لا تأتي طواعية إلا مع صادق الشعور، وإلا أصبحت صعبة عصية حتى ولو كان الشاعر في أوقات كثيرة يملكها ويظن نفسه يحتفظ بمخزون كبير منها. وتصنع الشعور لا يفيد وليس في صالح القصيدة أن يجتر الشاعر الأبيات دون إحساس فعلي بالمعاناة. يقول الشاعر محمد بن لعبون: الصدق يبقى والتصنع جهالة و"القدّ" ما لانت مطاويه بتفال فصدق المشاعر والأحاسيس مدعاة لجماليات المنتج الشعري وعذوبته وقبوله وصموده والعكس في حال التصنع والاجترار والتكلف وتمثيل دور لا يجيده الشخص حيث ينكشف الضعف والفراغ فيه، فلا يصح إلا الصحيح. والتشبيه جاء واضحاً مثل ما أن الجلد المقدد اليابس "القدّ" لا يلين برطوبة الريق أو البصاق واللعاب، وإنما يحتاج إلى الماء الوفير الذي يغمر فيه حتى يلين فيصبح طرياً، وقد رمز الشاعر بالبصاق أو كما قال "التفال" دلالة على التصنع، وعكس ذلك الماء الوفير الذي يعني الصدق. وهكذا مواقف الشعراء في كل أغراض الشعر لا ينفع فيها التصنع وتمثيل دور المتفاعل ظاهريًا لمجاملة أو رغبة في مكسب اجتماعي أو مادي، فإن كان الشاعر لا يحس الموقف بصدق فعليه ألا يجرب التمثيل بقصيدة والسبب أنه منذ البدء قد سار في الطريق الخطأ. يقول الزميل الشاعر سليمان العتيبي في زاويته الجميلة شماليل التي كانت تنشر في صفحة خزامى الصحارى: الشعر له وقته وله حزاته للي يبيه ومهتوي لذاته مهوب ف ايّة وقت يا شاعرنا اللي يدور بخاطرك قم هاته عطنا قصايد خلّنا نستانس ونغسل صميم القلب من علاّته بالرغم من أن المكان وجوّه للشعر ما هي مناسبة حالاته ناس تظن الشعر في بقالة سلعة لمن هو يشبع هواياته للزمان والمكان دور في كتابة القصيدة ناصر الحميضي Your browser does not support the video tag.