في آخر مقال تحدثت عن التلسكوب الفضائي «هابل»، ولم أتحدث عن الفضائي «إدوين هابل» الذي أُطلق اسمه على التلسكوب.. أشرت إلى أن الغلاف الجوي للأرض - الذي نعيش تحته - ملوث ومضطرب وغير شفاف، ويمنعنا من رصد الكون بشكل نقي وسليم.. ومن هنا ظهرت فكرة حمل تلسكوب بصري إلى الفضاء الخارجي لتجاوز الغلاف الجوي للأرض.. وظلت الفكرة حلماً يراود الفلكيين حتى نجحت ناسا في تحقيقه بإطلاق تلسكوب هابل في 24 أبريل 1990... .. وما لا يعرفه معظمنا أن اسم التلسكوب أطلق تكريماً لملاكم ومحامٍ يدعى (إدوين هابل)... فرغم أن هابل يعد اليوم واحداً من أعظم علماء الفلك (ونال جائزة نوبل في هذا المجال) كان في بداية حياته ملاكماً خاض مباراته النهائية ضد بطل فرنسا العام 1920. درس القانون في جامعة أكسفورد في إنجلترا، ولكنه ترك مجال المحاماة بعد فترة قصيرة من عمله في شيكاغو.. قرر متأخراً ترك الرياضة والمحاماة واتباع شغفه وحبه للفلك، فاشترى تلسكوباً خاصاً وبدأ بدراسة الكون... وقبل دخوله هذا المجال لم يكن العلماء يملكون فكرة عن كيفية تشكل الكون - بل ولم يكونوا متأكدين من وجود شيء خارج مجرة التبانة، ولكن هابل اكتشف في العام 1924 أن السماء تتوسع، وأن المجرات تتباعد، وأن النجوم تنطلق بسرعة خارقة (وتدعى هذه العلاقة اليوم بقانون هابل). ولأن هذا التوسع يحدث في كل اتجاه، وينطلق من نقطة مركزية واحدة، افترض هابل أن الكون تشكل من انفجار مركزي عظيم حدث قبل مليارات السنين... وبالإضافة إلى إثباته توسع الكون وتباعد المجرات كان هابل من المنادين بفكرة رفع تلسكوب بصري فوق الغلاف الجوي لكوكب الأرض، (وكانت حينها تبدو فكرة خيالية يستحيل تحقيقها).. كان يعرف جيداً الفرق بين التلسكوب الفضائي والتلسكوب الأرضي؛ لأنه عمل منذ 1946 في مرصد بالومار، وشارك شخصياً في صنع عدسته التي فاق قطرها 200 بوصة.. غير أن حلمه لم يتحقق إلا بعد 38 عاماً من وفاته، حين نجحت ناسا في نقل أول تلسكوب بصري للفضاء الخارجي - أطلقت عليه اسمه تكريماً لجهوده.. غير أن المشروع فشل في بدايته، وشكل صدمة لعلماء الفلك في العالم أجمع؛ فبعد إطلاقه تم اكتشاف عيب في عدسته الرئيسة سبب انحرافاً في الرؤية، وحينها وقعت ناسا في حرج شديد لأن هذا الانحراف (رغم أنه لم يزد عن سمك الشعرة) جعل تلسكوبات الهواة (فوق سطح الأرض) أفضل منه بكثير. ولم تتوفر ميزانية لتصليح التلسكوب حتى ديسمبر 93، حين انطلق المكوك الفضائي في مهمة خاصة لتركيب عدسة جديدة وكاميرات أكثر قوة. ومن يومها اكتسح هابل أعظم التلسكوبات الأرضية، وقدم معلومات لم تُتح للفلكيين منذ فجر التاريخ.. قدم آلاف الصور النوعية لشتى أرجاء الكون، لم يكن بالإمكان الحصول عليها لو بقينا ننظر للسماء من (أسفل) غلافنا الجوي المضطرب.. وكما فعلت في آخر مقال؛ أدعوكم لمشاهدة أبرز الصور التي التقطها هابل لأطراف الكون بإدخال هاتين الكلمتين في غوغل Hubble images. Your browser does not support the video tag.