في طفولتي كانت نجلاء فتحي تعني قمة الجمال، كنت أنظر مبهورة إلى الأفلام الرومانسية التي كانت البطلة المتوجة لها في السبعينات، كانت تعجبني ببراءتها وصوتها المبحوح، وضفيرتها التي يؤكد بها المخرج على صغر سن بطلة فيلمه ويكسب تعاطفنا لنتابع هذه الفتاة التي تقع في الغرام ومشاكله. في الثمانينات، نضجت نجلاء فتحي كما يفعل أغلب الفنانين المحترفين المثقفين والمحترمين. أصبحت أكثر عمقاً، وأصبحت نوعية الأفلام التي تقدمها مختلفة، والمخرجون الذين تتعامل معهم يملكون رؤية مختلفة للسينما ورسالتها. أحد أجمل الأفلام التي قدمتها نجلاء وهو مصنف من أحسن مئة فيلم عربي حسب استفتاء النقاد هو فيلم أحلام هند وكاميليا. أتذكر جيداً لقاءً تلفزيونياً أجري مع المخرج محمد خان، كان يشرح فيه ماذا فعلت نجلاء فتحي للحصول على الدور. كان في منزلها، وكانت قد قرأت السيناريو، كان يجلس بانتظارها، ودخلت عليه خادمة تلبس الملس، وهي العباءة التي ارتدتها نجلاء طوال الفيلم، تقدم القهوة، وحين رفع عينيه اكتشف أنها نجلاء. هذه هي الفنانة التي اقتنعت بالدور وأحبته وأرادت أن تخبر صانع الشخصية أنها قادرة على ترجمة ما يريد، إنها ليست المرأة الجميلة القادمة من طبقة معينة، إن الدور لها، لأنها تعرف كيف تؤديه، حتى لو كانت خادمة تنتقل بين الشقق كي تكسب لقمة عيشها، وتعيش حياة كرب وتعب بين ظلم أخيها وتعنيفه، ومعاملة أصحاب العمل لها إذا اكتشفوا أنها أخذت قليلاً من فائض غذائهم. كاميليا، هذا الدور الذي وضع نجلاء فتحي كواحدة من أنجح وأعظم الممثلات القديرات في العالم العربي. هناك العديد من الأفلام التي اشتهرت نجلاء من خلالها، والتي وضعتها في هذه الخانة، هناك الكثير من أفلامها التي جعلتها فنانة مهمة وتمتلك أسلوباً فنياً فريداً وصلباً، هناك العديد من الأفلام التي أظهرتها كامرأة قوية، وهناك العديد من الأفلام دافعت فيها عن حقوق المرأة. لكن، فيلم أحلام هند وكاميليا كان مختلفاً، لأنه كان يحكي ببساطة شديدة عن قصة صداقة بين خادمتين، وكاميليا، الذي جسدته نجلاء فتحي، كانت شخصية قوية بالرغم من كل شيء. الشخصية كتبت بعبقرية، واللحظات التي تظهر فيها قوة كاميليا، تمردها السافر على أشياء صغيرة لكنها تصنع يومها والكيفية التي أدت بها نجلاء فتحي هذه اللحظات، هي ما أتحدث عنه، ببساطة شديدة تنظر نجلاء إلى أحمد زكي في الفيلم، كي تقول له إنها تفهم أنه نصاب، وإنها تحذره من إلحاق الأذى بصديقتها، وببساطة شديدة تتحرك في المطبخ، تغسل الأطباق، وتخبر صديقتها أن الزواج «خدمة ببلاش» بينما كانت تخدم في بيوت الناس بأجر. ببساطة شديدة، نقع في غرام نجلاء فتحي في هذا الفيلم الذي ترتدي فيه ملابس الخادمات، ولا تضع الماكياج، لكن روحها القوية تبرز في كل لقطة ونعرف وقتها، لماذا نحن نحب هذه الفنانة؟. Your browser does not support the video tag.