إن أساسيات السوق من عرض وطلب هي التي تحدد أسعار النفط العالمية ومهما ارتفعت في الأجل القصير بنقص المعروض أو زيادة الطلب، فإنها ستعود إلى نقطة التوازن في الأجل الطويل. أما العوامل الجيوسياسية فتؤدي إلى قفزة في الأسعار، إذا تعرض الإنتاج إلى خطر يعطل إمداداته، لكن هذا التأثير في المدى القصير جدا، قبل أن تستعيد قوى السوق دايناميكيتها وتعود الأسعار إلى نقطة توازن العرض والطلب. فإن اتفاق الأوبك بقيادة السعودية مع غير الأوبك على خفض الإنتاج في يناير 2017م، هدفه المحافظة على استقرار سوق النفط العالمية واستمراريتها من خلال تقليص الفجوة بين العرض والطلب، بما يحقق أفضل الأسعار التنافسية للمنتجين والمستهلكين وليس التحكم فيها، وسيوفر أموالا كافية للاستثمار في عمليات التنقيب والتطوير والإنتاج وتفادي أي نقص في المعروض يهدد نمو الاقتصاد العالمي وسلامته، ورغم ذلك يستمر المنتجون خارج هذا الاتفاق بزيادة إنتاجهم على حساب هذا الاتفاق، مما ينتج عنه تراجع حاد للأسعار دون نقطة التسوية (Breakeven) لمعظم المنتجين دون مراعاة احتمالية حدوث نقص كبير في المعروض مستقبلا. فإن الادعاء بأن ارتفاع أسعار النفط الحالية صنعها الاتفاق وأنها لا تتفق مع عوامل السوق الحالية، أجابت عليه ردة أسواق النفط مباشرة وخلال ساعات معدودة من تراجع الأسعار ب(2.3 %) إلى 67.83 دولارا لغرب تكساس و73.26 دولارا لبرنت، بارتفاعهما إلى 68.40 و74.1 دولارا في نفس اليوم. كما أن التوقعات بإلغاء اتفاقية الاتفاق النووي الشهر القادم دعم حركة الأسعار الحالية. ورغم ذلك فإن تقلبات الأسعار واستغلال المضاربين لمثل هذا الخبر لا يخدم مصلحة الأوبك، بل إنها تفضل استقرار الأسعار في مسار يسهل التنبؤ بها. كما أننا أيضا لا نستطيع أن نجادل بأن تراجع الأسعار إلى دون 30 دولارا في 15 يناير 2016م كان مصطنعا، حيث إنه كان عائدا إلى تراجع الطلب من الصين واحتمالية زيادة إيران لصادراتها النفطية، وهذا هو دور عوامل السوق في تحديد الأسعار العالمية. وكما أن ارتفاع أسعار النفط الحاد يضر بالمستهلكين، فإن انخفاضها الحاد أيضا يضر بالمنتجين، على سبيل المثال إنتاج النفط الصخري الأميركي الذي بلغ متوسط تكلفته 50 دولارا للبرميل. وأؤكد أن اتفاق الأوبك وغير الأوبك والذي نسجت السعودية خيوطه بكل احترافية قد أدهش العالم والمنتجين الآخرين، لما حققه من نجاح باهر والتزام فاق (149 %) وفاق التزام أعضاء الأوبك بحصصها أو سقف الإنتاج في فترة الثمانينات وما بعدها وتزامننا مع ارتفاع إنتاج النفط الصخري إلى (10.5) ملايين برميل يوميا وتخمة أسواق النفط العالمي حاليا. Your browser does not support the video tag.