تفرض مرونة عرض النفط (نسبة استجابة الكمية المعروضة للتغير في سعرها) سلطتها على أي اتفاق تتوصل إليه الأوبك مهما كانت شروطه، وما اجتماع 30 نوفمبر إلا محاولة لتأثير على الأسعار في الأجل القصير لترتفع الى 55 دولارا ثم تعود بعد ذلك الى ما دون 50 دولارا. فما زال المنتجون الصغار يحلمون بأسعار تفوق 60 دولارا ومازال المنتجون الكبار يعتقدون أنهم قادرون على التحكم في المعروض ورفع الأسعار كما كان في السبعينات والثمانينات، متجاهلين مرونة العرض وتباطؤ نمو الطلب العالمي، مما يزيد الأسعار مرونة أكبر. فلن يحافظ أي اتفاق على ارتفاع الاسعار في ظل تزايد المعروض وانتظار المنتجين الاخرين لارتفاعها وزيادة إنتاجهم. ويصعب التنبؤ بأسعار النفط لكن نستطيع تحليل العوامل المؤثرة في أسعاره صعودا أو هبوطا، حيث إن سوق النفط يخضع الى ميكانيكية العرض والطلب التي تحدد الاسعار ونقطة التوازن في هذه الاسواق، عند السعر الذي يتقاطع فيه منحنيا العرض والطلب مع بعضهما. فلم تعد الاوبك قادرة على التحكم في المعروض أو تثبيت الاسعار على المدى الطويل، وفي هذا الاطار لكي يصبح تحليلنا أكثر فائدة، فإن فعلينا التمييز بين حركة عوامل السوق في الاجل القصير (أقل من سنة) والطويل، حيث ان المنتج في الاجل القصير لا يستطيع ان يعمل الكثير لخفض تكاليفه مع انخفاض مرونة الأسعار. لكن هذه المرونة تصبح اكبر في الاجل الطويل لبعض المنتجين باتخاذ قرارات محددة، فيما يرتبط بعملية الانتاج وذلك بإلغاء بعض الاستثمارات الجديدة في التنقيب عن النفط والإنتاج المحتمل عدم ربحيته إلا بارتفاع اكبر للأسعار. لذا ينبغي على شركات النفط اتخاذ قرارات طويلة الاجل، حيث انها لا تستطيع إلغاء جميع الاستثمارات الجديدة بناءً على الاسعار المستقبلية المتوقعة. فان انخفاض اسعار النفط في الاجل القصير له اثر سلبي على ربحية المنتج، إلا انه من الرشادة الاقتصادية ان يستمر هذا المنتج في انتاجه حتى تصبح ايراداته النقدية اقل من تكلفة انتاجه الجدية، ورغم خسارته فمن الافضل ان يستمر في انتاجه لتغطية تكاليفه المتغيرة بدلا من يتوقف عن الانتاج. فمن هنا تأتي الميزة النسبية لإنتاج النفط، فمنتجي النفط التقليدي مثل السعودية تكلفة انتاجها اقل من 9 دولار للبرميل الواحد ومنتجين آخرين من 18 الى 35 دولارا، بينما تكلفة معظم حقول النفط غير التقليدي تصل الى 60-88 دولارا. وبهذا سوف يكون هناك نقطة توازن في المدى القصير مع ارتفاع الاسعار التي تحفز زيادة المعروض ليوازي الكمية المطلوبة ومن ثم تجاوزها مع دخول منتجين اخرين كان انتاجهم حينئذ متوقف او متأثر بالاضطرابات السياسية مثل ليبيا أو استمرارية العراق وإيران في زيادة انتاجهم بمعدلات عالية واحتمالية عودة انتاج النفط الصخري الذي تراجع بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا، ليصبح هناك فائض في المعروض. ففي حالة بقاء متوسط سعر برنت عند 50 دولارا، فانه يمكن الكثير من منتجي النفط، لا سيما في الولاياتالمتحدة من تغطية تكاليفهم المتغيرة ولكن ليس التكاليف الثابتة. لذا لن يستثمروا في أي إنتاج جديد ما لم يكونوا واثقين من الاسعار سوف ترتفع مرة أخرى. بينما المنتجين الاقل تكلفة فمازالت الاسعار الحاليه مربحة لهم، رغم أنهم يعانون من خسارة في الايرادات تجاوزت مقارنة بالعام الماضي. فأنهم لن يغيروا انتاجهم وقد يحافظوا على استثماراتهم، حيث ما زالت الحقول الجديدة مربحة لهم عند مستويات الاسعار الحالية. ان على المنتجين الكبار ان يدركوا ان الاسعار الحالية سوف تتراجع مع ارتفاع الدولار واستمرار مرونة المعروض على المدى القصير، أما على المدى الطويل فسوف يتقلص معروض بعض المنتجين نحو نقطة التوازن وارتفاع الاسعار بدون أي اتفاق. وبهذا تكون مرونة العرض أتحدي الأكبر وما اتفاق الاوبك إلا مضيعة للوقت في 2017م وما بعده.