حين يبالغ أحدهم في استعراض قوته والتبجح بالعنف والتنمر فاعلم أن هذا السلوك يخفي خلفه عقدة نقص يشعر بها في داخله، هو يعلمها أكثر من الجميع، ويحاول من خلال هذه الصورة الكاذبة إخفاء حقيقته. الأمر مع الدول لا يختلف كثيراً عن البشر، وهذا ما يلحظ جلياً في الحالة الإيرانية، وسعيها الدائم لأن تكون صورة للشر والمشكلات في العالم، تريد بذلك إخفاء عقد أزلية توارثتها إيران منذ إمبراطورية فارس وحتى يومنا هذا. وللحق والإنصاف فهي تتعامل بذكاء لحل هذه العقد القديمة واستطاعت في فترات أن تقترب من النجاح. إن أول العقد الإيرانية هي غربة العنصر الفارسي ليس فقط في محيطه الخارجي بوجود عرقية كبيرة كالعرب تحيط به، بل حتى في الداخل الإيراني، فعلى الرغم من أن الخطاب السياسي والأيديولوجي الإيراني يصور إيران دولة شديدة التجانس والانسجام إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً، فإيران عبارة عن فسيفساء عرقية لا تعرف التجانس فيما بينها، فالتركيبة الاثنية لإيران يندرج تحتها 5 عرقيات كبرى: فالفرس يشكلون نصف السكان حسب الإحصاءات الرسمية، وتنخفض ل 40 % في إحصاءات غير رسمية، يأتي بعدهم الأذريون بنسبة 24 %، يتشكلون جغرافياً في الشمال الغربي لإيران على الحدود الإيرانية مع أذربيجان (المشابهة لهم عرقياً) مما يشكل خطراً ديموغرافياً على إيران، النسبة الباقية من الشعب الإيراني يتشكلون من أعراق شتى (كرد وعرب والجيلاك المازندارنيون واللور والبلوش وتركمان)، هذه الغربة المضاعفة للعنصر الفارسي داخلياً وخارجياً جعلته يلجأ لحيلة تجعله متوائماً مع من حوله بشكل أكبر من خلال تبنيه رعاية المذهب الشيعي، والدفاع عنه وعن حريات الأقليات الشيعية حول العالم. هذه الذريعة سوغت لإيران التدخل هنا وهناك، تارة لحماية الأقليات الشيعية، وتارة أخرى لحماية المقدسات الشيعية، وكأن إيران هي حصن التشيّع المنيع، مع أن التشيع ولد عربياً، وعاش شيعة العالم العربي بسلام وتعايش في أغلب فترات تاريخنا، وأن حالة التدافع السنية الشيعية لم تحتدم إلا بعد قيام الثورة الإيرانية التي لعبت على وتر الطائفية لأهداف سياسية توسعية، اعترفت بها إيران منذ اليوم الأول، وجعلتها في دستورها هدفاً وهو "تصدير الثورة". نيات الفرس التوسعية قديمة بقدم التاريخ، ولدت مع الإمبراطورية الفارسية، وكانت واضحة النيات في عصر الشاه الذي كان يحلم بعودة أمجاد فارس الغابرة، واستمرت بعد الثورة الإيرانية، ولكنها ارْتدَت هذه المرة عمامة، وحملت شعار الحسين عليه السلام؛ لتكون مسوغاً لها بتصدير ثورتها التي لم يجنِ منها الشعب الإيراني سوى الفقر والتخلف الحضاري. للأسف إن هذه الحيلة على سذاجتها إلا أن البعض ابتلع الطعم، فاحمرت أنوفهم تدافع عن خطط إيران وعدوانها بدافع ديني عميق، والدين والتشيع بريء من هذه الأعمال العدوانية، وفي المقابل كان هناك تطرف في الجانب الآخر صنف الشيعة والتشيع عدواً له، وجعلهم وإيران في معسكر واحد، فكال لهم تهم التخوين والإقصاء ليساعد بحماقته في إنجاح الفكرة الفارسية. لذا يجب أن نفصل ونميز بين التشيع الذي ولد وترعرع في بلاد العرب وأئمته العرب الأطهار، وبين ألاعيب السياسة والتطرف والعدوان والعنف الذي يأتي باسم الدين أو المذهب. وأختم بتساؤل غير بريء لمن أراد أن يفهم: إن كانت إيران ترعى التشيّع فلماذا يُعامل الأحواز والأحوازيون وكأنهم أعداء للدولة الإيرانية مع أن الأحواز ذات أغلبية شيعية؟؟! Your browser does not support the video tag.