تعد المراسلات البريدية والبرقية أحد أهم المستودعات السرية لخصوصيات الإنسان والتي يشكل المساس بما بها من معلومات مساساً بحرمة حياته الخاصة، ولهذا الأساس أولت كثير من المعاهدات والصكوك الدولية الأساسية والعالمية التأكيد على خصوصيتها وسريتها، وكفلت أغلب دساتير دول العالم توفير الحماية القانونية لهذه المراسلات وصيانتها من أن تكون مقومات سريتها عرضة للانتقاص سوى في الحالات التي تبينها القوانين؛ ومن ذلك نظامنا الأساسي للحكم كوثيقة دستورية تشمل حماية حقوق الإنسان بما في ذلك حماية الحق في الخصوصية، وتعد المراسلات البريدية والبرقية من أهم خصوصيات الإنسان التي بين «النظام الأساسي للحكم» في المادة رقم (40) أن لها حرمتها وأنها مصونة ولا يجوز اتخاذ أي إجراء تجاهها إلا في الحالات التي يجيزها النظام، وعلى هذا النهج سار كذلك «نظام البريد». مؤسسة البريد السعودي وهي إحدى المؤسسات الوطنية العريقة التي مرت وما زالت تمر بمراحل تطور متلاحقة للارتقاء بجودة خدماتها لمسايرة ما يعيشه الوطن من نمو وتحول نحو تحقيق مستهدفات رؤيته 2030، وفي ظل ما يشهده سوق الخدمات البريدية من منافسة عالية، ألا أن بريدنا الوطني العزيز يتميز على غيره بميزة تنافسية باعتباره هو الناقل الحصري للمراسلات والبرقيات البريدية بين الجهات الحكومية من طرف، وبين تلك الجهات والمستفيدين من خدماتها من طرف آخر بحسب التفضيل، وهذا امتياز له أسبابه واعتباراته المقنعة؛ ولكن هذا يأخذني إلى موضوع هذا المقال وهو بشأن ما يفترض أن يتم من إجراءات عند قبول المواد المرسلة إلى الجهات الحكومية والشخصيات الاعتبارية بالتأكد من هوية المرسل وتسجيل بياناته الصحيحة ومقارنتها بما يثبت الهوية الشخصية للمرسل؛ وهو تعميم لا غبار عليه ولا شك أن له اعتباراته ودواعيه الأمنية التي لا جدال على أولويتها. ما وددت الوصول له هنا من حيث التطبيق العملي هو أنه عندما يرغب شخص ما إرسال مادة بريدية عبر بريدنا الوطني العزيز لأحد الأجهزة الحكومية، فالملاحظ هو قيام بعض موظفي البريد استناداً إلى سوء الفهم أو التفسير الخاطئ للتعميم السابق الذكر وتحديداً كلمة «التأكد»، بإلزام المرسل بفتح إرساليته متى كانت مرسلة لإحدى الجهات الحكومية للتأكد من بيانات المرسل، وهو ما يترتب عليه انكشاف محتوى المادة البريدية ومعلوماتها، مما بالتالي يمكن تكييفه بالخرق للحق في خصوصية المواد البريدية التي كفلها النظام؛ فالإلزام هنا بحد ذاته طريقة تؤثر في حرية الاختيار لدى المرسل وتجبره على القبول تفادياً لرفض إرساليته، وهو ما ينطوي على ما يمكن اعتباره من الممارسات التي تنتقص من سلامة الحق في الخصوصية بصورة غير مباشرة؛ ولهذا نقول وكبديل لذلك الإجراء، يفترض الاكتفاء بطلب وثيقة تثبت هوية المرسل ويتم تسجيل بياناتها من قبل موظف البريد دون الحاجة لفرض فتح الإرساليات البريدية لأن ذلك هو فحوى التعميم. Your browser does not support the video tag.