كنت أتمنى على الأخ بدر التميمي من مؤسسة البريد السعودي في مقالة بعنوان «رضا لاري وإشكالية التفكير المنطقي» المنشور في جريدة «الرياض» العدد 13632 في 17/9/1426ه الموافق 20/10/2005 التزام المنطقية في التفكير التي نادى بها في عنوان مقاله، وأن يبتعد عن إسقاط التهم على كاتب ما لمجرد أنه كتب حقائق حاول الأخ بدر التيممي التعمية عليها باستخدام أدلة غير منطقية لتبرير موقف البريد السعودي (الحكومي) التمتخاذل ثم الجشع حالياً. بحثت في مقاله عن أي نفي لأي مادة أوردها الأستاذ رضا لاري في مقاله «صندوق بريد ناقص الأهلية» المنشور في جريدة «الرياض» العدد 13625 بتاريخ 10/9/1426ه الموافق 13/10/2005م فلم أجد، فما هو مستنده لذلك للرد؟ طبعاً لا أتوقع من الأخ بدر التميمي الموظف في مؤسسة البريد السعودي (الأهلية) أن ينتقد نظام صناديق البريد الجديد من قبل البريد السعودي (الحكومية) ولا بد له من تأييد هذا النظام الجديد لصناديق البريد (الحكومية) والذي يدفع المواطن قسراً لاستخدام خدمة مؤسسة البريد السعودي (الأهلية) «واصل» لما وفرته المؤسسة ولزملائه من رواتب مجزية وتأمين طبي لا نجد مثله لموظف البريد الحكومي وعلى حساب المواطن، ولما لهذه المميزات لدى المؤسسة فإننا نتوقع استقالة العديد من موظفي البريد الحكومي للالتحاق بمؤسسة البريد الأهلي وبالتالي لن نجد موظفين لفرز البريد في الصناديق وتتردى الخدمة أكثر من وضعها الحالي، وهنا سؤال «منطقي» يفرض نفسه: كيف سيفرز موظفو البريد الحكومي رسائل صناديق البريد حسب النظام الجديد؟ هل سيتم تعيين جيش من الموظفين الجدد ويوضع بجوار كل صندوق بريد نسخة من دفتر عائلة كل مواطن ونسخ من إقامات مكفوليه ليتم تسليم الرسائل للصندوق واستبعاد الأخرى؟ وماذا سيفعل الموظفون في بريد المؤسسات؟ هل ستقدم كل مؤسسة كشفاً بأسماء موظفيها لتعليقه بجوار الصندوق للتسهيل على الموظف؟ وكيف سيتم تعيين موظفين جدد لهذه الخدمة - أصلاً - والأفضل لهم الالتحاق بمؤسسة البريد الأهلية لما لموظفها من مميزات لا تتوفر لموظف البريد الحكومي؟ منذ قرون بعيدة كان مستلم الرسالة هو من يدفع قيمتها، ولتجنب استغلال البريد أصبح المرسل هو الذي يدفع قيمة الرسالة، وهو المعمول به في كل دول العالم قاطبة دون دول الخليج التي استشهد بها الأخ بدر في مقاله المذكور آنفاً، علماً بأن البريد يصل المنازل في الإمارات. أما بريدنا الموقر فقد خرج علينا ببدعة لم يسبقه إليها أحد من العالمين، فالرسالة يدفع قيمتها المرسل والمستقبل، وهو المعمول به في صناديق البريد، وشركة البريد الجديدة «واصل» سوف تلزم المستلم بالدفع لاستلام بريده، فهذا والله ما لم نسمع به في أمة أخرى غيرنا ولا يقره الاتحاد العالمي للبريد. إذا أردنا التفكير المنطقي يا أخي الكريم بعيداً عن التوتر والانفعال فدعني أسُقْ لك بعض الحقائق عن البريد التي يعلمها الناس من شرق الكرة الأرضية إلى غربها باستثناء دول الخليج التي لم تجد سواها للاستشهاد على تكاسل وتخاذل البريد فيها، ويبدو لي أنك لا تعلمها - هذه الحقائق - وأنت موظف البريد. قيمة الرسالة مدفوعة من قبل المرسل لتصل إلى باب بيته في جميع دول العالم، غنيها وفقيرها، متقدمها ومتأخرها، وبدون الحاجة لمشروع عملاق لترميز وأجهزة متقدمة للفرز الآلي، فلماذا ينبغي على المستقبل أيضاً أن يدفع قيمة الرسالة لتصل إليه؟ لا تقل لي أننا في المملكة لا ندفع قيمة استلام الرسالة لأننا ندفع ذلك عبر الاشتراك في صناديق البريد لكي نذهب ونزاحم بسياراتنا لاستلامها، في حين أنه ينبغي أن تصل الرسالة لكل مواطن لباب بيته أسوة بجميع دول العالم لأنها مدفوعة الأجر من قبل المرسل، قياساً على ذلك ينبغي أن يكون صندوق البريد مجانياً لكل مواطن إذا كان البريد السعودي لا يوصل الرسالة مدفوعة الأجر من قبل المرسل إلى منزل المستلم وذلك حتى يقوم البريد بواجبه المنوط به. بل إننا في المملكة ندفع أجر استلام الرسالة مرتين في بعض الأحيان، أتعرف كيف؟ إذا اشتركت في مجلات أو دوريات علمية أو قمت بمشتريات من كتالوجات أو عبر الإنترنت فإنني أدفع لتلك الشركات أجر البريد ليتم شحن تلك المواد إلى عنوان، ثم أدفع للبريد السعودي قيمة اشتراك في صندوق البريد، أي إنني دفعت قيمة استلام الإرسالية مرتين لأن موظفي البريد كسولون مقارنة بمطاعم الوجبات السريعة التي تعرف كيف تصل لمنزلي ولديها خرائط مفصلة لا يملكها البريد، وبدون ترميز أو أجهزة فرز متقدمة. لنعد لإشكالية التفكير المنطقي لدى البريد السعودي في قيمة صندوق البريد لفرد أو لمؤسسة، أيها أصعب يا أخي الكريم؟ ألف رسالة لصندوق بريد واحد؟ أم ألف رسالة لألف صندوق بريد؟ أي تفكير منطقي تتحدث عنه؟ وما ضير البريد - الذي يفترض به أن يوصل الرسائل مدفوعة القيمة من قبل المرسل لباب بيتي - أن اشترك وأصدقائي وأقاربي في صندوق واحد؟ أليس توصيل مئة رسالة لصندوق واحد أقل جهداً على موظفيهم المرفهين من توصيلها إلى مئة صندوق مختلف يتكبد المواطن عناء الذهاب للبريد لاستلامها؟ إن لم يعجب البريد كلامي فليوفر لنا مراكز بريد أكثر وصناديق أكثر، ولسوف يكون من دواعي سرور كل مواطن أن يكون له صندوقه الخاص به للحفاظ على خصوصيته وخصوصية أهل بيته، لعهد قريب يا أخي موظف البريد لم يكن لدى بريدنا صناديق بريد كافية للمواطنين مما دفع كل مجموعة منهم للاشتراك في صندوق واحد، هل نسيت ذلك؟ أم أنك موظف جديد؟ أم أنك لا تستخدم البريد مطلقاً؟ كنا نتحدث - مجموعة من الزملاء - حول مقال الأستاذ رضا لاري عن الخدمات العبقرية الجديدة لمؤسسة البريد السعودي مستنكرين النظام الجديد لصناديق البريد الذي يدفع المواطن قسراً للاستفادة من خدمات شركة «واصل» غير المجانية لكي يصل البريد إلى باب بيته، فانبرى أحد الزملاء مستهجناً أن نطالب ايصال البريد السعودي للرسائل الواردة إلى منازلنا مجاناً استناداً لأننا ندفع 100 ريال في السنة إيجار صناديق بريد ولم يصدق هذا المسكين أن البريد يصل إلى منزل كل مواطن في كل دول العالم - عدا الخليج حسب مقالك - دون مقابل مادي على المستقبل لأن المرسل قد دفع قيمة الإرسالية لتصل إلى باب بيتي، لقد أدت الخدمات المتدنية للبريد السعودي إلى خلق مفهوم جديد لدى المواطنين يعتمد على ان المستقبل أيضاً يدفع قيمة الرسالة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. لن أذهب بعيداً للتدليل على صدق قولي وتكذيب ادعاءاتك، فليتفضل أي مواطن بسؤال خادمته أو سائقه، وإن لم يكن لديه فليسأل أول مقيم يجده في الشارع من أي جنسية كانت عن البريد في بلده، بل لينظر أحدكم إلى العنوان الذي تسطره الخادمة على رسالتها لأهلها ولسوف يجده عنوان سكن بأدق تفاصيله وليس صندوق بريد كما هي الحال في عناويننا، وليسأل أحدكم خادمته وسوف تخبره بوصول الرسالة - مسجلة كانت أو عادية - والطرد إلى العنوان المذكور - في مدينة كان العنوان أو هجرة - دون أن يدفع المستلم للرسالة أو الطرد أي مبلغ مالي، ودون أن يحتاج للذهاب لمكتب البريد بنفسه لاستلام رسالة مسجلة وإبراز إثبات الهوية لاستلامها، بل ودون رمز منطقة أو مشروع ترميز عبقري جبار، انظر لرسالة خادمتك أو سائقك وسوف تتأكد من صحة كلامي. يبدو أن الأخ بدر التميمي ومؤسسة البريد السعودي - بخبرائها ومستشاريها الذين أشار إليه في مقاله - أصحاب إشكالية التفكير المنطقي نسوا أن عدداً كبيراً من المواطنين درسوا في الخارج ولم يحتج أحد منهم لأن يكون له صندوق بريد ولم يدفع أي منهم فلساً لكي يستلم رسالة واردة إلى باب بيته، ولم يحتج أحدهم لأن يذهب لمكتب البريد لاستلام رسالة مسجلة أو طرد، أمضيت من عمري عشر سنين في مصر والرسائل ترد إلى باب شقتي دون عناء أو كلفة مادية، وأي شخص في الشقة (الأم، الزوجة، أحد الأبناء، أحد الأخوة، بل وحتى الخادمة) بإمكانه التوقيع لاستلام رسالة البريد المسجل الواردة باسمي دون أن أعاني للحصول على رسالة واردة طرد. عدد من الشركات على الإنترنت ترفض شحن البضائع إلى صندوق بريد تطلب عنوان سكن، وهو ما لا يتوفر للمواطن السعودي، مما دفعني إلى إرسالها لعنوان أخي المبتعث للدراسة في الخارج ليجد أي مواطن قادم للرياض ليرسلها لي معه مع ما في ذلك من إحراج، بل وصل الحد بي أن أجمع طلباتي وأطلبها دفعة واحدة في وقت أكون فيه مسافراً خارج المملكة على عنوان الفندق الذي سوف أنزل به مع إرسال فاكس للفندق وإخطارهم ببريد سوف يصلني ليحتفظوا لي به، هذا ما خلقه لنا بريدنا من إشكاليات يا أخي الكريم. وماذا عن الذين يسكنون في منازل مؤجرة؟ هل ينبغي لكل منهم أن يحتفظ بقائمة طويلة بكل من يراسله ليخطرهم بتغيير العنوان كلما تغير سكنه؟ أوليس الحل هو صندوق البريد حتى يجد له سكناً دائماً يصل بريده إليه دون أي كلفة إضافية؟ كيف له ذلك مع التسعيرة الجديدة؟ خاصة وأن معظم الرسائل الواردة لصناديق معظم المواطنين هي فواتير الهاتف وخطابات البنوك ورسائل الخادمة والسائق، هل للمواطن أن يدفع تلك المبلغ الباهظ لهذا النوع من الرسائل؟ أين التفكير المنطقي؟ أي خدمات متطورة للبريد السعودي تلك التي تتحدث عنها وأنا أذهب لمكتب البريد لاستلام رسالة بريد ممتاز (ليست رسالة عادية أو مسجلة) باهظة الثمن في حين أنه ينبغي أن تصلني لباب بيتي؟ أي خدمات للبريد الممتاز باهظ الثمن تلك التي توصل الرسالة بعد ثلاث وأربع أيام بين المدن الرئيسية داخل المملكة؟ أي خدمات متطورة وبعض رسائلي في صندوق بريدي استلمها مفتوحة وقد سلب منها بعض محتواها دون وجود ملصق أو محضر التفتيش، لقد شكوت هذا الأمر مراراً وتكراراً ومازال يتكرر، فأين الخدمات التي تتحدث عنها؟ هل جربت استخدام الصناديق الزرقاء والصفراء للبريد لمنتشرة في الطرقات؟ لقد أرسلت لنفسي رسالة - بعد وضع طابع البريد المناسب ليها - منذ حوالي عشر سنوات ولم تصلني إلى الآن!!! كون أن البريد في دول الخليج لا يصل إلى منازل المواطنين لا يعني هذا أنه القاعدة الأساسية في الخدمات البريدية بل هو الإهمال والكسل والتقاعس الذي أصاب مؤسسات البريد الخليجي بالترهل والاعتماد على المواطن للمطاردة خلف أبسط حقوقه دون أن يدري أن من حقه أن يستلم رساله البريدية في بيته دون أن يدفع مقالبها مالاً، وماذا عن بقية دول العالم دون استثناء أحد منها؟ البريد يصل للمنازل دون مقابل على المستلم وفي معظم تلك الدول دون ترميز. لقد كنا ومازلنا ندفع إيجار صناديق البريد، ليس حباً منا في إضاعة الوقت بالذهاب لمراكز البريد التي لا يتعدى عددها ستة عشر في مدينة كالرياض (هذا هو العدد الرسمي لمكاتب البريد السعودي والمدرجة في موقعه على الإنترنت)، بل ندفع مقابل كسل وتخاذل موظفي البريد عن أداء مهام عملهم في إيصال البريد إلى المنازل، ذلك الكسل والتقاعس والإهمال الذي كان ولا يزال بمباركة مسئولي البريد، وبدلاً من تصحيح الأوضاع، يستغل البريد السعودي سكوت المواطنين لفرض مزيد من الرسوم للصناديق ومزيد من الرسوم لتوصيل البريد إلى المنازل، فوالله الذي لا إله إلا هو لقد خرج علينا البريد السعودي و«واصل» ببدعة جديدة لم يسبقهم إليها أي بريد في العالم على مر الزمان... أن يدفع قيمة الرسالة المرسل والمستلم، وأحياناً.. المستلم مرتين. ما أطلبه - وإخواني المواطنين - هو أن يعاملنا البريد السعودي كما يعامل البريد كما في أي دولة من دول العالم الثالث - وليس المتقدم - مواطنيه، فالخدمة البريدية ليست مجانية لتمن بها علينا موسسة البريد السعودي أو البريد السعودي الحكومي، بل هي خدمة مدفوعة الأجر من قبل المرسل، ومن حق كل مواطن أن يستلم بريده في منزله دون الحاجة للاشتراك في صناديق بريد أو الدفع لمؤسسة ما، وهذا هو مطلبنا كمواطنين.