إن التغيير في بُنيتي المجتمع القبلية، والإقليمية هو حجر الزاوية في انطلاق المجتمع من التكتلية إلى التشاركية، ومن التقوقع إلى الانطلاق في فضاء رحب يستوعب المجتمع بأطيافه المختلفة. ولا يختلف اثنان على دور القبيلة الاجتماعي كيف لا وهي أحد أهم مكونات المجتمع وكان لها دورٌ بارزٌ في المساهمة في بناء هذا الوطن (كغيرها من أُسر، وأفراد هذا الوطن) من بداية مسيرة التوحيد إلى عهدنا الحالي. واتسمت بالوفاء لهذا الوطن وقيادته، وأنجبت رجالاً أفذاذاً كانوا جنباً إلى جنب مع قيادتهم في المنشط، والمكره، وحملوا على عواتقهم المسؤولية، وأدوا دورهم على أكمل وجه، وما زال أبناؤهم على خطاهم. ومع التغيرات الاجتماعية، والثقافية المتسارعة التي يمر بها الوطن؛ بل والعالم بأكمله على القبيلة أن تُقَدِم نفسها بشكلٍ يتلاءم مع بُنْيَة مجتمع اليوم، وأن لاتتكِئ على أمجاد الأمس، وأطلاله البالية التي بنتها في ظروفٍ مُختلفة لأجل الدفاع عن نفسها؛ فهي الآن تحت مظلة وطن يحمي الجميع، ويحترم ماضيها؛ لكنه لا يحتاج إلا لحاضرها وهذا لا يعني أنَّها بعيدة كل البعد عن واقعها؛ فالكثير من أبنائها اليوم يحملون الشهادات العليا، ويتبوؤون المناصب القيادية، ويحملون من العلم، والثقافة الشيء الكثير. لكن خط القبيلة الماضي ما زالت مظاهره مشاهدة تُبْرِزْهُ أكثر مسابقات الشعر، ومنافسات الموروث، وبعض مناسباتها الاجتماعية؛ ومشاركتها وغيرها من مكونات المجتمع في المحافظة على موروث الوطن أمر محمود؛ لكن لابد أن يتم بشكلٍ حضاري يتناسق مع واقع المرحلة. وإذا تفحصنا نظام القبيلة الاجتماعي التكافلي من الداخل اليوم نجده يميل إلى العشوائية، والاجتهادات الشخصية والتي تنبثق من أساليب قديمة لاتناسب حاضرها تُركز فيه كثيراً على موروثها الذي لافائدة منه اليوم. وأمام القبيلة تحديات كبيرة حتى تظهر بوجهٍ مختلفٍ ينطلق من حاضرها، ويرسم لها خارطة طريق جديدة، ويوظِف منابرها للعلم، والأدب، والثقافة، ويستغل اجتماعاتها، ولقاءاتها للاحتفاء بمتفوقيها، ومبدعيها، وبث أدبياتها الجديدة التي تناسب واقع اليوم؛ لعلَّها تتخلص من سيطرة العقل الجَمْعِي، ومركزية الرأي، وتحل بدلاً منه عقلاً حرًاً مُستقِلاً يتحرك بحرية ومع ذلك يُبْقِي رابط القرابة، والعلاقة التكافلية، والمعنوية قائماً داخل القبيلة (يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر، وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) ويكون هذا الفكر هو الأساس الذي تنبثق منه أطروحاتها الجديدة لتساهم من خلاله في بناء وطنها وتُخْرِج كفاءاتها التي يحتاجها الوطن تحت رقابة فكر حر جديد لا يعترف إلا بالكفاءَة، والخبرة. وعلى القبيلة أن تعلم أن أدوات الماضي ليس لها وجود في حاضرٍ جديد يُبنى بالعلم، والثقافة، وليس بالشعر، والشيلات، ومزاين الإبل. Your browser does not support the video tag.