كانت الصحيفة التي كان يعمل فيها المرحوم «سباعي عثمان»، محررًا للصفحات الثقافية، تصدر من مطابع تقع في طريق مكة، وكان سباعي كلما ذهب إلى جدة، يتحدث عن انبهاره، بذاكرة المرحوم «عبدالله نور»، وقدرته على الإلقاء السليم، وكيف أنه زاره في الجريدة، وخرجا معا، في الهزيع الأخير من الليل، فأخذ عبدالله يلقي عليه، لامية العرب للشنفرى! وهي قصيدة طويلة وصعبة، وقد استمرا في السير، حتى وصلا إلى المقهى، الذي يلتئم فيه جمع عديد من الصحفيين، بعد انتهاء عملهم، ولم يسكت عن الإلقاء، إلا عند وصولهما إلى المقهى! هذا ملمح بسيط عن «عبدالله نور» على ذمة أحد عارفيه، وعندي عنه ملامح كثيرة، جمعتها عندما كنا نلتقي معاً في المناشط الثقافية، والمقهى، والصحف، وفي رحلة خارجية يتيمة، تمنيت من ظرفها أن تتكرر، وهذه الرحلة كانت لحضور معرض الكتاب في الكويت. سكنا في فندق خمس نجوم، كانت غرفتي في آخر ممر الغرف، وغرفته في أوله، وفي الصباح نهضت من النوم، وخرجت باتجاه غرفته، لنتناول الإفطار، ثم نذهب إلى المعرض، وأنا أسير في الممر شاهدت جدول ماء، يسري من أول الممر باتجاه آخره تتبعت الجدول، فتأكدت أنه صادر من غرفة» عبدالله نور»، أصابني الهلع، لكنني اطمأننت، عندما جاءني، غناء عبدالله، طرقت فخرج مرتدياً روب الحمام، وكان يضحك ضحكته المميزة، فلم يكتشف فيضان الماء، إلا عندما طرقت عليه باب الغرفة! هذا الموقف الظريف، سبقه بسنوات عدة، مواقف تدل على أننا بإزاء فنان، يفرح عندما يجد موهبة في القصة أو المقالة أو الشعر، إنه حينذاك يسعى في توصيل صوت هذه الموهبة، للصحف والمناشط الثقافية، وهو لا يكتفي، بالكلام أو الكتابة، عن الموهبة الجديدة، لكنه يصحبه معه، وقد كنت في أواخر السبعينات الميلادية، سكرتيراً للتحرير بجريدة المدينة في جدة، عندما دخل علينا وبرفقته شاعر جديد، أصبح بعد تلك الزيارة من أبرز شعراء الشباب! وقد قيل: إن ذلك الشاعر تنكر، لمن أخذ بيده! وغير تبني المواهب كان عبدالله يسعى قدر طاقته في تقديم المساعدة، لمن يطلبها من الكتاب، وهذه المساعدة مساعدة لحل مشكلة في إحدى المصالح، وليست مادية، فلم يعرف عنه الثراء المادي، كان مثل كافة المشتغلين في الكتابة يومه عيده، ورزق الغد للغد! مات عبدالله نور، وكلما حلت ذكرى وفاته كان يطرح السؤال أين الكتابات التي جعلت عبدالله، ذلك الاسم الذي يذكر، وتتم الإشادة والثناء على ما يكتب ويقول فيكون الجواب مغمغماً؟ لكنني سوف أذكر ما دار في مجلس إدارة أدبي الرياض عندما وضعنا خطة لجمع نتاجه وطبعه، وهو نتاج ضخم، يضم المقالات اليومية والدراسات، والذكريات، والملامح التاريخية، والقصص، لكننا للأسف لم نجد من يشجعنا، من أهل عبدالله نور، وكان ذلك قبل وفاة ابنه المهندس عبدالرحمن، هذا موقف يجب أن أذكره، وهو لا يغني عن تكرار المحاولة، من نادي العاصمة أو غيره، فعبدالله نور علامة، وعلينا الحرص على أن يكون اسمه حاضراً بيننا!. Your browser does not support the video tag.