دعونا نتذكر اللوازم الذهنية والفكرية بتصنيفنا دول الاستعمار القديم، بأن الإنجليز أصحاب الدهاء السياسي التي عاشت على خدعته حلفاؤها ومستعمراتها، ونعطي حكماً مطلقاً، أن الفرنسيين أصحاب الحماقة، أما التهور والإبادة والعنصرية للألمان واليابانيين والأسبان.. وعند ذكر أميركا، فهنا يجب أن توقف ساعة الزمن العربي بالذات لأنها أساس مشاكلنا وحلولها، فهي مستعمرة صهيونية يسيطر عليها المال اليهودي ويوجهها، وهذا الاكتشاف لا نجده في أبجديات دول دمرت أميركا مبادراتها الاقتصادية وحولتها إلى مجال حيوي مثل دول أميركا الجنوبية، ولا هذا الحكم صدر من اليابان التي جُربت عليها أول قنبلتين ذريتين، أو فيتنام التي دمرت عن آخرها.. أميركا لا تمارس العشق والطهارة، أو تقدم الورود للأصدقاء أو عقود علاقات مطلقة غير قابلة للطلاق من أول خلاف فهي تتصرف برؤية أين تجد مصالحها، وحتى مع إسرائيل حدثت خلافات جوهرية حين هدد الرئيس «إيزنهاور» سحب المعونات منها عقب الاعتداء الثلاثي على مصر العام 1956، وكذلك الرئيس «جيرار فورد» الذي قال بتقييم العلاقات معها مالم تسحب قواتها بعد حرب 1973، وأوباما اعتبر شبه المعارض والذي لم يصل للعداء لإسرائيل حين كان أكثر انتقاداً لسياستها وأكثر بروداً في علاقاته معها.. السبب في كل ما يجري أن إسرائيل أكبر حليف لها بالمنطقة وسميت برأي أحد الساسة الأميركان «بحاملة الطائرات»، وحتى لو قلنا إن إسرائيل بُنيت بدهاء الإنجليز وتمكينهم الاستيطان بفلسطين فهو الأمر الصحيح، ولكن سبق أن قسمت الكوريتان، والقبرصيتان، واستولت أميركا على ما يعد ثلث المكسيك، ووضعت فرنسا حدوداً لفيتنام الشمالية والجنوبية، والطريق طويل للدورات السياسية، لكن نظل نعلم أن أميركا عدو بمفهوم المؤامرة، وصديق بمفهوم المصالح مع أن الدول التي تآذت من حروبها وسياساتها، استطاعت بتمييز الأبيض من الأسود والاستفادة منها، وخاصة ممن ليس لديهم ألوان متنافرة، وإنما التعامل بعقل بالفصل بين العداء لذاته، أو تفسير الموقف بعكس توجهه، وما يواجه العرب نجده أكثر حدة في الخلافات الأميركية - الروسية، وكأن الحرب الباردة لا تزال قائمة، ومع ذلك يبقى خيط العلاقات غير مقطوع. المشكلة العربية أننا أصحاب مواقف غير ثابتة، فكما كان معنا في مرحلة ماضية دول عدم الانحياز وما يقرب من ثلثي العالم، لم يبق منهم إلا الخمس، وهذا يتناقص لأن في داخلنا الممزق، حروب أهلية وتدخلات إقليمية، وانشطارات اجتماعية تتغذى من داخل خلافاتنا لا من خارجها، وهذا الأمر نحاول استنكاره بهروبنا لصناعة عدو مستتر أو ظاهر، ولهذا نجد من كتبوا عن أزمة العقل العربي، حين لم يواجه ذاته بالنقد الصريح أو تشريحها على منصة العقل، فهو صانع مأزقه ومبدع الأعذار عنها، وفي هذه الحال، أميركا لا تسوق نفسها المثال الأعلى في أي تصرف بل من تقول صراحة، ويكررها رئيسها الحالي (ترمب) أميركا أولاً!! Your browser does not support the video tag.