المشهد السوري بعد حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية فوق الجولان المحتل يزداد غموضاً أكثر منه تعقيداً، ويبعث برسائل سياسية وعسكرية لأطراف الأزمة هناك، حيث لم يعد الصراع بين جماعات مسلحة أو مقاومة مع النظام، وإنما بين قوى دولية كبرى لم تتفق بعد على مصالحها، ولن تتفق في ظل وجود إيران وتركيا على خط الأزمة، وتناقض المشروعات السياسية بين كل طرف وآخر. إسرائيل تتهم إيران علانية بإطلاق طائرة بلا طيار من الأراضي السورية، معتبرة الحادث هجوماً إيرانياً على سيادتها، مما اضطر سلاح جوها إلى الرد بإرسال طائرة تم إسقاطها، وأخرى نجحت في قصف أهداف سورية وإيرانية قرب دمشق، ثم التزمت الصمت السياسي والعسكري بعد الطلب من أميركا وروسيا التدخل ومنع التصعيد في المنطقة. إيران تريد في هذا التوقيت جرّ إسرائيل كطرف في نزاع الأزمة السورية؛ لأسباب كثيرة، (أولاً): استبدال مشروع الإرهاب الذي دعمته وآوته بمشروع المقاومة للاحتلال؛ ليكون مبرراً لتدخلها وشرعنة نفوذها في سورية، وما يتبع ذلك من تحريك مشاعر الجماهير تجاه إسرائيل، وكسب التأييد، وتحديداً بعد إعلان الولاياتالمتحدة نقل سفارتها إلى القدس كعاصمة لإسرائيل، وهو ما عبّر عنه نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي من أن إسرائيل اليوم باتت تسمع صوت جنود الإسلام عند حدودها، متعهداً بتحقيق نبوءة المرشد الأعلى بزوال إسرائيل قبل 20 عاماً! و(ثانياً) تغيير قواعد الاشتباك في الأزمة السورية، حيث لم يعد مبرراً الاستمرار في محاربة جماعات مسلحة ضد النظام، أو السماح لتلك الجماعات أن تنفذ أجندات الحرب بالوكالة عن القوى المتصارعة هناك، وبالتالي استفزاز إسرائيل من الفعل إلى ردة الفعل يعمّق الصراع بين الدول، وليس بين الدول وتلك الجماعات، وهذا يعني أن إيران لم يعد لها أوراق كافية وربما قادرة على قلب موازين الصراع لصالحها غير المواجهة المباشرة مع إسرائيل على الأراضي السورية، ويكفي تعليق نائب قائد القوات الجوية الإسرائيلية تورمر بار من أن غارات إسرائيل الأخيرة على سورية هي الأوسع والأكثر فاعلية منذ 1982، وما اعتبره حزب الله اللبناني من أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية مؤشر على سقوط المعادلات القديمة، وبداية مرحلة استراتيجية جديدة تضع حداً لاستباحة الأجواء والأراضي السورية. و(ثالثاً) إظهار بشار الأسد من قاتل ومجرم إلى زعيم مقاوم للاحتلال لكسب مزيد من التأييد الشعبي في الداخل، وتحسين موقفه بين حلفائه، وتقوية حضوره لتنفيذ ما يُطلب منه إيرانياً، فضلاً عما هو مطلوب منه روسياً وتركياً، وهذا فيه رسالة أن إيران لا يمكن تهميشها من حلفاء الأسد الآخرين. الموقف الإسرائيلي فوّت الفرصة على إيران في كل المؤشرات الثلاثة السابقة، والتزمت التهدئة ليس خوفاً، أو طمعاً في الحرب، ولكن رغبة في تحقيق مصالحها أولاً، وترك إيران تواجه مصيرها الذي ينتظرها في عقر دارها وليس في سورية فقط. Your browser does not support the video tag.