"اجعل الكذبة كبيرة واجعلها بسيطة واستمر بقولها وفي نهاية المطاف سيصدقونها" مقولة شهيرة في تضليل وخداع الجماهير قالها القائد النازي أدولف هتلر قبل أن يمسك بزمام السلطة في ألمانيا. هذه الفكرة البسيطة والمجردة هي أساس إستراتيجية الحزب النازي الإعلامية لخداع الناس حول العالم قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، مات صاحب الفكرة منتحراً بعد فشله في تحقيق أهدافه، لكن فكرته لم تمت، فما زال الساعون لخراب العالم يكذبون ويستمرون بالكذب حتى يصدقهم بسطاء الناس، فيستغلونهم في خدمة مشاريعهم دون وعيٍ منهم، غير آبهين بالدماء والأشلاء التي ستتناثر في سبيل تحقيق تلك المشروعات الشيطانية. وأحد هذه المشروعات العربية المشبوهة والتابعة لحكومة قطر تتمثل في قناة الجزيرة والتي أطلت على المشاهد العربي بشعارات رنانة تلامس الوجدان العربي مثل "الرأي والرأي الآخر" والجزيرة "منبر من لا منبر له"، وذلك في سياق مشروع إعلامي لحكومة قطر لا يمكن فصله عن مشروعها السياسي للمنطقة، فحجم قطر الجغرافي لا يتناسب مع مشروعها السياسي القائم على نشر الفوضى في المنطقة العربية، لذا لابد لها من ذراع إعلامي يسمح لها بتحقيق أهدافها الهدامة. يقول أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود د. تركي العيار "بطبيعة الحال قناة الجزيرة قناة مسيسة ولديها أهداف محددة، لذا فهي بعيدة كل البعد عن تفعيل قيمة حرية التعبير التي هي قيمة أصيلة وأساسية من قيم المجتمعات الديموقراطية والإعلام الغربي". وأضاف العيار بأن الُمتابع للطرح الإعلامي لقناة الجزيرة يجد بأنه طرح يتسم بعدم المصداقية وباختلاق الأكاذيب والافتراءات والمبالغات بجانب تحوير التصريحات الصحفية لخدمة سياسة القناة وتوجهاتها بالإضافة إلى أن القناة تمارس دوراً كبيراً في زرع الفتن وإشعالها وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة العربية من خلال دعمها الإعلامي للمنظمات الإرهابية والثورات وكذلك التحريض في بعض الدول الخليجية والعربية بواسطة دعم المنشقين والمعارضين، فقناة الجزيرة تتعمد إبراز رأي واحد وصوت وأحد مع التجاهل المقصود للآراء الأخرى التي لا تخدم سياسة القناة وأصحابها". في حين يرى الكاتب المتخصص بالشؤون السياسة فهد الدغيثر بأنه لا يمكن الفصل بين المشروع السياسي لحكومة قطر عن مشروعها الإعلامي المتمثل بقناة الجزيرة. وأضاف الدغيثر بأن المشروع السياسي لقطر منذ انقلاب حمد على والده هو الخروج عن الإجماع الخليجي والتظاهر بالاستقلالية والتفرد بالرأي "ولم نكن نعلم في ذلك الوقت لماذا، لكن اتضح فيما بعد بأن حمد بن خليفة وحمد بن جاسم يسعيان لمكتسبات أوضحتها التسجيلات فيما بعد ومنها نيل حصة من تركة السعودية كما كانا يتوهمان، وهذا في الحقيقة فسر لي على الأقل لماذا قناة الجزيرة معادية للمملكة وبشكل علني ومستفز". وعن تناقض قناة الجزيرة وتغير مواقفها في الكثير من القضايا قال رئيس تحرير صحيفة الرؤية الإماراتية ومدير عام قناة الإخبارية الأسبق الأستاذ محمد التونسي بأنه "مما لا شك فيه بأن قناة الجزيرة قناة متناقضة، هذا أمر طبيعي فهي تدار من خارج القناة وليس من داخلها، هذا أمر لا جدال عليه ويتضح أكثر بتغير موقف قناة الجزيرة بتغير موقف أمير قطر، فهي تدار من القصر وليس من صالة التحرير كما تزعم". بينما يرى مقدم البرامج السياسية في قناة الإخبارية وإذاعة الرياض خالد الشهوان أن حرية التعبير محدودة بعدم المساس بالثوابت واحترام حرية الآخرين وعدم الإساءة إليهم بالأكاذيب. وأضاف الشهوان بأن رفع الجزيرة للشعارات هو تنفيذ لأجندات حكومة قطر الداعمة لنهج الإخوان طوال العشرين سنة الماضية، "فالجزيرة ظلت لسنوات ترفع شعار الرأي والرأي الآخر خدمة لأجندتها ودغدغة لمشاعر الجمهور، ثم أصبحت ترفع شعار منبر من لا منبر له مع الاستمرار في رفع شعار الرأي والرأي الآخر، لكن بعد سقوط الإخوان استحدثت شعار "الجزيرة مع الإنسان" حتى تدافع عنهم باعتبارهم مضطهدين من وجهة نظرها الداعمة لهم في الأساس". وعن مهنية قناة الجزيرة قال المستشار الإعلامي أستاذ العلاقات العامة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبدالرحمن النامي إنه يجب أن نفرق بين مهنية الإعلامي وأخلاقيات المهنة الإعلامية، "فالمهني الإعلامي هو دائماً محايد ولا يكون متحيزاً، بينما أخلاقيات المهنة الإعلامية ذات قواعد معيارية يعرفها الممارسون"، مضيفاً "إنه من الواضح أن قناة الجزيرة ابتعدت كثيراً عن المعايير الأخلاقية للمهنة، فما شاهدناه في قناة الجزيرة كان تحيزاً كبيراً في العديد من القضايا، والتحيز واضح بشكل كبير في القضايا التي أثارتها مؤخراً، ولنضرب مثالاً على ذلك حينما تحدثت الجزيرة في نشرات الأخبار عن مظاهرات لسائقي التاكسي في لندن لمنع ما يدعون بأنه حصار من الدول الخليجية، ليتضح في الأخير بأنها ليست مادة إعلامية أو خبراً كما هو متعارف عليه وفق أخلاقيات المهنة الإعلامية وإنما هو إعلان مدفوع لسيارات التاكسي! لذا تم تضليل المشاهدين حتى يقتنعوا بالموقف الذي تتبناه قناة الجزيرة، هنا قناة الجزيرة خرجت عن الأعراف القيمية والمهنية والأخلاقية التي يتطلب توفرها في جميع الممارسين الإعلاميين، فهي تدعي بأنها الرأي والرأي الآخر ولكن في حقيقة الأمر هي ليست رأياً آخر وإنما رأياً سلطوياً". وأضاف النامي: "أيضاً يتجلى ذلك السلوك فيما نراه في مشاركات ومداخلات المعلقين على الأحداث ممن يتبنون آراء لا تناسب القناة فنرى المذيع يقاطع أو يغير مجرى الحديث أو يطرح سؤالاً آخر أو ينتقل إلى ضيف آخر وبذلك يصادرون ما يدعون بأنهم يطبقونه من رأي ورأي آخر". وعن هدف المضامين التي تقدمها قناة الجزيرة يرى كاتب الدراما التلفزيونية محمد الفهادي بأن قناة الجزيرة سعت منذ تأسيسها للتأثير في المشاهد العربي من خلال نشر كل ما يعكر صفو سلام البلاد العربية، حيث أنها تبحث وتتبنى المشاكل السياسية العربية، فهي لا تهتم بالمصداقية بقدر اهتمامها بذر البارود على أي نار تشتعل في البلاد العربية. وأضاف الفهادي بأن بث الجزيرة لكلمات زعماء التنظيمات الإرهابية وتغطيتها المنفردة في الكثير من المواقع التي لا يصلها مراسلو القنوات الإخبارية العربية والدولية لا يدل على أنها قناة لديها حصانة خاصة فقط بل هي أيضاً مقربة من التنظيمات الإرهابية بشكل كبير ومشبوه. وعن حجم تغطيتها للثورات العربية يقول الفهادي بأن "الجميع لاحظ حرص الجزيرة على تأجيج وإضرام النيران في الدول العربية، فهي لم تحرص يوماً على تبني دور إيجابي كمؤسسة إعلامية ولم تسع لذلك أبداً، فأيقظت الفتنة في مصر وتونس واليمن وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين وباقي الدول العربية". بدوره يرى المخرج السينمائي السعودي فهمي فرحات بأن الإبهار البصري الذي تحرص عليه قناة الجزيرة يسهم في خداع المشاهد، "فالجزيرة تعلم أن الاهتمام بالتفاصيل الفنية كالإبهار البصري يتسرب إلى عقل المشاهد الباطن فيتأثر بالخبر المنشور وهنا تكمن الخدعة". وأضاف فرحات بأن اسم وشعار قناة الجزيرة تم تصميمه بإستراتيجية نفسية توحي بالانتماء العربي للتأثير على المشاهد لتجعله يصدق ما يتم عرضه عبر شاشتها، فالاسم واللون والهوية ذات أهمية لأنها تترك انطباعاً لدى المشاهد". وفيما يخص علاقة الجزيرة بالجماعات المتطرفة يؤكد الكاتب المتخصص بالشؤون السياسة فهد الدغيثر بأن دعم الجزيرة للجماعات المتطرفة طبيعي كونها الهبة الإلهية التي ستخدم الهدف، "إذ مع ارتفاع وتيرة التفجيرات التي أصبحت القاعدة تعلن عن مسؤوليتها عنها والموجهة ضد المملكة بشكل واضح، تولت الجزيرة مهمة رئيسية بشكل متناغم مع قادة القاعدة وهي إضفاء نوع من الشرعية ولو بأقل الحدود على التفجيرات التي حدثت، لاحظنا ذلك من خلال تبني خطب ومنشورات بن لادن وفيما بعد الظواهري وإعطاء هذا الموقف الإعلامي السافر المستفز صبغة سخيفة كون ذلك مجرد حرية إعلامية وتأخذ مبدأ الرأي والرأي الآخر". وأضاف الدغيثر بأن استمرار الجزيرة على هذا التوجه دفعها للمزيد من التمرد عندما بدأت باستضافة من يسمون أنفسهم بالمعارضين في الخارج بل وحتى في الداخل ممن كان لا يخفي ميوله وتعاطفه، "لم نتابع لهذه القناة أي متابعة أو استضافة لأي معارضين لأي دولة عربية أخرى بالكم والإصرار الذي فعلته مع المملكة، جميعنا بالطبع يعرف اليوم علاقة هؤلاء بالمال القطري بعد أن انكشفت الأوراق، استمر ذلك إلى أن وصلنا إلى اتفاقيات 2013م و2014م والتي أتت بعد انتشار التسجيلات المشهورة مع القذافي، كان الظن لدى حكومة قطر أن بإمكانهم استيعاب الغضب السعودي كالعادة والتوقيع على أي شيء ثم التملص منه". ويذهب الدغيثر إلى أن تغطية عاصفة الحزم ومن قبلها الربيع العربي كلها تصب في صالح تحقيق الهدف الأهم وهو زعزعة أمن المملكة حتى لو مات الملايين في أي مكان آخر كليبيا وغيرها، "لأن قطر لن تستفيد مباشرة من مشاكل شمال افريقيا سوى كونها نجحت في تأجيج الشعوب ونجاح الرهان المتمثل في وصول الإخوان المسلمين للسلطة، ثم الوصول للإضرار بالمملكة كمرحلة ثانية". وعن أدعاء الجزيرة التفرد بنقل الحقيقة قال د. تركي العيار بأنه لا يمكن أبداً أن تكون قناة الجزيرة الناقل الحصري للحقيقة حتى لو نجحت في إيهام الجماهير بذلك لفترة قصيرة فلن تستمر طويلاً، "فالشمس لا تحجب بغربال فسرعان ما تنكشف الحقيقة، فكما هو معروف الإعلام بات فضاء مفتوحاً بوسائل عدة تعطي الجمهور الخيارات التي تمكنه من استقاء الحقيقة من مصادر عدة وبالتالي اكتشاف زيف قناة الجزيرة، كذلك وعي الجمهور تنامى بشكل كبير مكنه من التمتع بحصانة تقيه استغفال قناة الجزيرة ومثيلاتها". وهذا أيضاً ما ذهب إليه د. عبدالرحمن النامي حيث قال بأنه "لا يمكن لقناة الجزيرة أن تلعب اليوم دوراً قوياً لأنها أصبحت تعبر عن نهج فكري إيديولوجي ارتبط بأحزاب وفئات تحقق من خلال الجزيرة أهدافها كما تحقق الجزيرة هي الأخرى أهدافها عبر هذه الفئات، فقناة الجزيرة ليست إعلامية بالمهنية المتعارف عليها وفق أخلاقيات المهنة وإنما هي مؤدلجة تسعى لتحقيق أهدافها، وربما أن قناة الجزيرة هي المنصة الأفضل لتلك الأحزاب التي تريد أن تخرج من مساحة صغيرة إلى فضاء أكبر". فيما رأى خالد الشهوان بأن الرهان في الوقت الحاضر على وعي المشاهد "وهذا هو الرهان الناجح، فالمشاهد بات يميز الغث من السمين، ليثبت أنه لا يصح إلا الصحيح"، فالجزيرة حسب وصفه استغلت طفرة القنوات الفضائية في بداية ظهورها مطلع التسعينيات وخاطبت المشاهد العربي بلغة جديدة تختلف عما تعود عليه في القنوات الرسمية معتمدة نهج البي بي سي الإخباري "نظراً لأنها قامت آنذاك على بقايا كوادرها بالكامل بعد تسريحهم من قناة بي بي سي الإخبارية إبان ظهورها الأول منتصف التسعينيات، وما هي إلا سنوات قليلة حتى بدأ المشاهد يمتص الصدمة ويتعود على سماع الرأي الآخر ويستطيع أن يفرز الكذب من الحقيقة فظهرت بعد ذلك قنوات إخبارية عديدة منافسة فتوارت الجزيرة وانكشفت ولم يعد يصدقها إلا المؤمنون بخطها من الإخوان ومن يشابههم في طريقة التفكير، حتى وصلت إلى مرحلة انحدارها الحالي في أزمة قطر باتباع أسلوب الدعاية الجوبلزية الشهير "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس"، فكان من الطبيعي أن تقع في أخطاء كارثية، تخلت فيها حتى عن المهنية من قبيل مواقف بعض مقدميها في انتقاد زملائهم في المهنة في محطات أخرى". تركي العيار: قناة مسيسة ولديها أهداف محددة محمد التونسي: الجزيرة تدار من القصر وليس من صالة التحرير فهد الدغيثر: لا يمكن فصل مشروع حكومة قطر السياسي عن مشروع قناة الجزيرة خالد الشهوان: بعد سقوط الإخوان استحدثت شعار «الجزيرة مع الإنسان» عبدالرحمن النامي: الجزيرة تضلل المشاهدين حتى يقتنعوا بالموقف الذي تتبناه محمد الفهادي فهمي فرحات Your browser does not support the video tag.