بعد إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي ببرامجها المتعددة لجميع شرائح المجتمع دون النظر لمستوياتهم أو عدالتهم، فلم يعد الأمر مقتصراً على الدعاة، والمشايخ، والمثقفين، والمتعلمين كما كنا من عهد قريب، بل اعتلى منابرها أنصاف المتعلمين، ومن يستطيعون القراءة والكتابة فقط ولم يستثنِ الفاسدين، وناشري الرذيلة، والكبار، والصغار، والمراهقين كل منهم يدلي بدلوه ومن ثم يقذف به في ساحتها. يتربع على رأس هذه الوسائل المؤثرة في بلادنا (تويتر) والذي يذهلنا فيه مشهد أن ينصب البعض فيه أنفسهم قضاة ومحامين ومفتين ووكالات أنباء في نفس الوقت. فما إن تحدث مشكلة اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية حتى يعج تويتر بالهشتاقات من كل حدب وصوب وتستمر الحالة المطرية عدة أيام يصاحبها رعد وبرق وإشاعات وتقاذف ببذيء العبارات من فرقتين متعارضتين ومتشاحنتين واحدة تتهم والأخرى تدافع، حتى تصل الحالة إلى مرحلة تسونامي أو ما يسمى في عرف تويتر( ترند ) يجرف كل ما هو أمامه ويهوي به في وادٍ سحيق. فتاريخ (تويتر) القصير غني بالشخصيات البارزة والمؤثرة أن كان على الصعيد السياسي أو الإعلامي أو الاجتماعي أو حتى الديني التي أطاح بها (تويتر) عن وجه الساحة بحق أو بغيره. وكذلك ساهم في كشف المستور في المدارس والمستشفيات والمطاعم حتى إن الشخص لا يأمن ابنه أو ابنته أن يوثق حديثة معه وينشره في وسائل التواصل لينال ما يستحقه. ولست بمأمن أن ترى أحد أحبائك أو معارفك وقد انتشر مقطع له وهو يحتضر على إثر حادث سيارة تعرض له أو توفي ساجداً في المسجد. السؤال هنا: هل ( تويتر) فعلاً محكمة عادلة ممكن أن تحل كل مشاكلنا على العلن. وهل نزع غطاء الستر يناسب كل الحالات أم يزيدها سوءًا؟ أم إن (تويتر) انسلخ من الإنسانية وقوانين الخصوصية ليسطع بالشفافية كالشمس في كبد السماء دون حساب للعواقب؟ أم إنها ثقافة تويتيرية جديدة حولت التصوير والنشر إلى غاية؟ وهل يملك من يصور وينشر، الحق والصلاحية فيما يُقدم عليه؟ أم أنه أخذ الإذن المطلق من الشيخ (تويتر)! وهل تجاوز دوره لتسليط الضوء على الظاهرة السلبية إلى إصدار الحكم عليها مما يؤثر بصورة ما على أصحاب القرار؟ لا ينكر شخص أن وسائل التواصل منحت الشعوب نافذة لا تقدر بثمن للتعبير عن رأيهم في شؤون بلادهم والعالم، والحسنة الثانية في اعتقادي أنه يستشف منها أيضاً أصحاب القرار مدى مناسبة سياساتهم وبرامجهم لشعوبهم ومنها أيضاً أنها منحت الشعوب قوة وحضوراً ومشاركة. ولكن هناك جانب مظلم وسيء ليس من وسائل التواصل ذاتها ولكن ممن يسيئون استخدامها فلربما سرعة تطور هذه البرامج وسهولتها وتفوقها فاقت قدرة البعض على إدراك القوانين التي سنتها الجهات المختصة لحماية حقوق الآخرين، وربما يفتقر البعض إلى ثقافة الرقابة الذاتية في استخدام كل ما هو متاح تحت يده، وإلى إدراك الأهداف السامية التي ممكن أن نحققها من خلال هذه الوسائل السهلة والمتاحة والسريعة. Your browser does not support the video tag.