الإشاعة جزء من الحروب منذ القدم, والإشاعة جزء من أدوات الأصدقاء لدعمك والخصوم لإضعافك. ومعطيات اليوم من وسائل التواصل الاجتماعي وسهولتها وتواجدها في أيدي الجميع وإمكانية استخدامها من الجميع ساعدت على اتساع وسهولة نشر الإشاعات في كافة القطاعات. في الماضي كانت الإشاعة جزءا من الحروب العسكرية ولتحقق أهدافها تأخذ وقتا وجهدا مضاعفا, كما أن القطاع الاقتصادي أحد مجالات حروب الإشاعات بهدف ضرب سلعة أو تشويه شركة أو رجل أعمال حين كانت السمعة الشخصية جزءا من رأس المال. اليوم يمكن لطفل أن يضع حشرة أو مسمارا في فطيرة أو علبة عصير ويقوم بنشرها على ملايين البشر ولكن هل يحقق مراده, الشواهد تقول ربما وربما تأتي بنتائج عكسية ويتم الترويج لهذا المنتج بأسهل الطرق وأقلها تكلفة. بعيدا عن المجال العسكري أو الاقتصادي ما مدى تأثير الإشاعة بكل أشكالها على السلم الاجتماعي ومنظومة الوطن الواحد وبث الروح الإيجابية أو السلبية داخل المجتمع وإثارة الفتن وزعزعة الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية؟ ولعل المتابع للشأن المحلي يجد أن مجتمعنا من ضمن المجتمعات المستهدفة عنوة لهذا النوع من الإشاعات, وأقصد هنا الإشاعات التي تستهدف الأمان المجتمعي والسلم والوحدة والرضا, بحيث تم غرس مسارات سلبية في وجدان المواطن السعودي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل منظم وكانت تأتي على شكل وسم بتردد (ترند) عالمي وهو ما يعرف بهاشتاق في تويتر ولعل أشهرها الراتب ما يكفي الحاجة؟ وهذا الوسم أصبح مرتكزا لرسائل أخرى تم بثها عبر منصات الإعلام الاجتماعي المختلفة وخاصة الواتس آب الذي ينافس تويتر في الاستخدام محليا مما يجعله وسيلة ممتازة لبث المعلومة بصرف النظر عن كونها صحيحة أم خاطئة؟ المهم أن تكرس المشاعر السلبية داخل وجدان المواطن وتصيب المجتمع ككل بالوهن والإحباط وتنتهز مناطق الضعف فيه لتفعيل تأثيرها, مع ملاحظة تنويع الرسائل محتوى وأسلوبا ووسيلة لضمان الوصول لأكبر عدد ممكن, فالرسالة لشاب يبحث عن مقعد جامعي أو وظيفة مريحة من البديهي أن تختلف عن الرسالة الموجهة لربة البيت وأحقيتها في مكافأة نظير دورها مع زوجها وأبنائها؟ والهدف ليس رعاية ورفاهية اجتماعية وإلا لشاركناهم الرغبة بل تعطيل طاقات نصف المجتمع وفتح نافذة لبث الطاقة السلبية في المجتمع وهل هناك ما هو أكثر خصوبة من أرض الأسرة وعمودها الرئيس وهي الأم التي ستتطلع لدخل شهري؟ هذا الاستهداف الواضح يتطلب رفع درجة الشفافية أكثر من المؤسسات الحكومية وأيضا يتطلب من المراكز المختصة وخاصة مراكز الأمن الفكري وأمن المعلومات الاجتماعية أن تتداخل مع المنصات الإعلامية ببث الخبر أو المعلومة الصحيحة ومواجهتها قبل أن يشتد عودها وتصبح جزءا من مكونات الوجدان الاجتماعي وبالتالي تكوين اتجاهاته وممارساته اليومية خاصة في الفضاء العام ولنا في بعض الشواهد أدلة. استغلال منصات التواصل الاجتماعي لنشر الإشاعات يمثل إحدى الأدوات المهمة في إدارة الأزمات بين الدول وبين المتنافسين في كافة المجالات.., ومن المهارة والمهنية أن تهتم المؤسسات المختصة في استثمار ذلك لصالح الوطن بكل مكوناته البشرية والإدارية والاقتصادية برفع سقف الشفافية ومواجهة الإشاعات بمعلومات دقيقة وصادقة وسريعة وواضحة للجميع ومن مصادر مختصة وليس اجتهادات. نعم مواجهة تلك الإشاعات مسؤولية المؤسسات الحكومية أولا ثم وعي المواطن, الذي يتكون بقدرة المسؤول على إعطاء المعلومة الصحيحة في وقتها. مع الأخذ في الاعتبار بث الروح الإيجابية في المجتمع من خلال حضور المسؤول في برامج عمل تخدم المواطن بشكل مباشر وتسهيل إجراءات الوصول لها.