في مقال الأسبوع الماضي بعنوان "كيف يمكن التعامل مع زيادة الأعباء المعيشية؟"، تحدثت عن استنزاف لمواردنا الاقتصادية الطبيعية وغير الطبيعية، وأوضحت ذلك بمثال استهلاكنا للمياه المحلاة الذي يتجاوز ثلاثة أضعاف الرقم المريح لاستهلاك المياه للفرد الذي حددته منظمة الصحة العالمية بنحو 83 لتراً، في حين أن استهلاك الفرد للمياه في المملكة يصل إلى نحو 256 لتراً في اليوم. وما ذكر عن استهلاكنا الجائر للمياه ينطبق على مواردنا الاقتصادية الأخرى، التي لعل من بين أهمها، استهلاكنا للنفط وللطاقة الكهربائية لسد احتياجاتنا اليومية من هذين النوعين من الطاقة، إذ بلغ استهلاكنا للنفط الخام (بأسعار مدعومة) 3.91 ملايين برميل يومياً في المتوسط في عام 2016، والذي يعادل نحو 56 في المئة من صادراتنا للنفط في عام 2015 التي بلغت 7,163 ، مما جعل المملكة تحتل المركز الخامس عالمياً في استهلاك النفط بعد أميركا التي حلت على رأس القائمة بمتوسط استهلاك بلغ 19.63 مليون برميل يومياً. ونفس الكلام ينطبق على استهلاكنا للطاقة الكهربائية، حيث يتزايد الطلب على الكهرباء في المملكة بوتيرة عالية للغاية تقدر بنحو 8.3 في المئة سنوياً، في حين أن نسبة الاحتياطي تُعد من بين الأقل على مستوى العالم والتي تقدر بنحو 2 في المئة، مما قد يعرض الشركة السعودية للكهرباء إلى مواجهة بعض من المخاطر؛ كالمخاطر المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية على المدى القريب، والمخاطر المتعلقة بالموردين والعملاء والشركاء، وكذلك المخاطر المتعلقة بالتطوير والتغير السريع في التقنية، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد. وهنالك أمثلة أخرى متعددة ومتنوعة لاستهلاكنا غير المنطقي وغير المبرر لمواردنا الاقتصادية، مثل استهلاكنا للغذاء وللمواد الاستهلاكية، إذ تشير الاحصائيات إلى أن نسبة الاستهلاك لدى السعوديين خلال شهر رمضان تصل إلى 150 في المئة من استهلاكهم خلال الشهور الأخرى. كما أن للهبات والمهايطة الاجتماعية والفشخرة والمبهاة بالنعمة في الولائم والحفلات جزءًا كبيراً جداً من المسؤولية في ارتفاع معدلات الاستهلاك غير المبرر. أتفق مع جميع التعليقات على مقال الأسبوع الماضي، التي أكدت على أهمية الترشيد كسلوك اقتصادي وحضاري للمحافظة على الموارد الاقتصادية من الاستنزاف والنضوب. وأتفق كذلك مع أستاذ الإعلام الدكتور أحمد الشهري، الذي يرى بأن للمدرسة وللجامعة ولأئمة المساجد وخطب الجمعة دوراً مهماً جداً في اقناع الناس بالتخلي عن النمط الاستهلاكي المفرط وغير المبرر، إذ لا يمكن للفرد أو لرب الأسرة أن يقف وحده أمام هذا الموج العاتي من المغريات المحفزة على الإنفاق مثل الدعايات والإعلانات التجارية والفعاليات والمهرجانات وغيرها من المناشط الاجتماعية الأخرى، دونما أن يكون هنالك تكاتف للجهود، ووجود خطة وطنية توعوية بأهمية الترشيد وأساليبه وأدواته وممكناته. Your browser does not support the video tag.