(موسوعة العذاب).. «لعبود الشالجي» بأجزائها السبعة، كابوس لمن يقرؤها، حين أرّخ لأساليب العرب في التعذيب الجسدي والنفسي، وقد لا يختص العرب وحدهم بهذا السلوك، بل منذ صراع «هابيل، وقابيل» مروراً بمراحل الشعوب والحضارات نجد نفس الصور تتعاقب وأن الحق الإنساني الذي حمته الأديان لم ينج من الفصل العنصري بين السادة والعبيد، والتفاضل بين الأعراق، والاعتقاد أن فروقاً بين البشر تولد معهم.. ماضينا العربي القريب شهد تعدد وسائل التعذيب، حيث تم استلهام تقنيات (نازية، وستالينية) عمت معظم السجون العربية ليسقط على أي منهم العمالة أو التآمر، أو التجسس لصالح العدو، ولعل سجل من خرجوا شبه معافين من تلك العقوبات تظهر لنا نفس الأساليب التي دونها «عبود الشالجي» في مؤلفه المنشور عام (1999م) فكانوا يروون بأعمال روائية، أو تدوين ذكرياتهم بالمحابس، أو صور الزنزانات التي كشفت لاحقاً، تجعل الواقع يتكرر ولا يزول بتعدد الحكومات.. العربي لم يولد مشوهاً من داخله، غير سوي، بل التاريخ يذكر شهامته، ووفاءه وعزة نفسه وشجاعته إلى آخر مكارم الأخلاق، وحتى مفاخراته بأصوله وجذوره وتعاليه الذي أعطى مساحة هائلة لشعراء المدح والهجاء والتفاخر وغيرها، كانت ترسم طبيعة الحياة كوعاء لجميع التناقضات، إلاّ أننا في هذه المرحلة التي انفجرت فيها الأحقاد العامة لا نجد مبرراً أن تُصعد إلى مرض عام بإشعال حروب طائفية مقدسة تبيد من لا يتوافق مع مذاهبها، وحتى لو قلنا إنها تراكم مظالم من حكومات سابقة، فقد بيعت أوطان تأسست بالدماء للدفاع عنها، والخلل، كما يبدو ليس انغلاقاً دينياً وإنما أجواء دولية وإقليمية وعربية، ساعدت على إعادة سيرة دويلات الطوائف بالأندلس، وبصرف النظر عن أن العربي مملوء بحب الثارات ولم يتحرر من صورته الأولى التي كونها لنفسه كفرد، انتماؤه غير ثابت، فالماضي لا يقاس بالحاضر، وحتى ما قيل عن عقدة الشعور بالدونية أمام الحضارات التي فجرها الغرب، فهناك شعوب لها نفس طباع العربي، ولو سلمنا بالدراسات النفسية للشخصية العربية، كإنسان مقهور يغلف ضعفه بالكذب، أو العنف وأنه يحس بالغربة حتى لو كان على ترابه فهي معطيات وليست أسساً لتحليل هذه الشخصية، لكن لماذا أصبح العنف أداة تعبير عن مكنون خفي لهذا الإنسان؟ شخصياً لا أملك رداً، لكن تصوري، أن العربي عاش التاريخ مظلوماً، لم يعرف الحرية، ولذلك لم يساهم في بناء مشروعه كمواطن، بل كأجير عند سيد، ولم يكن محورياً ولذلك نشاهده يحطم الممتلكات الوطنية، وكأنها محميات للدولة، ويتآلف مع إيدلوجيات ودعوات لا تصلح لبيئته، ولكنه يتبناها، ربما عن غير قناعة، وإنما كرد فعل للبحث عن منقذ من ورطة التاريخ بماضيه وحاضره وثقوبه، الكبيرة، الدالة على تشويه هذه الشخصية، ولذلك فكل انفجار ذاتي أو شعبي مرتهن لظلم طويل لم يتعاف منه، بل حداد على مستقبل مجهول بلا هوية.