انتشرت ظاهرة النقد الذاتي كثيرا في الكتب والمقالات وحتى في الأحاديث الخاصة بين الأصدقاء والأصحاب في مجتمعاتنا العربية وقد يأتي هذا النقد في بعض الأحيان على شكل سلخ للذات يتم من خلالها المبالغة في الذم الأمر الذي قد يؤدي الى تعميم الاحباط والشعور بالدونية وهو شعور بدأ بالفعل يظهر في مجتمعاتنا العربية ليأخذ أشكالا وصورا مختلفة كأن تصل المجتمعات الى التسليم بالخطأ لجعله المنهج السائد لدى العامة ويصبح مجرد الشروع في صنع التغيير مدعاة للاحباط لأن التغيير أصبح يأتي في صورة نقد مفرط ليتحول الى عامل إحباط بدل أن يكون عامل نهضة وتغيير. إن مسألة صنع التغيير أو الاصلاح هي مسألة تقع على عاتق المثقفين في المقام الأول ولكن حين يصبح المثقف متوجها بفكره ونظرته الى تسليط الضوء على سلبيات المجتمع وسلوكيات أفراده بالنقد اللاذع الذي يصب في خانة التقريع فان هذا النقد يتحول الى سلخ ينتج عنه الشعور الدائم بالدونية في الوقت الذي نجد فيه أن بعض المثقفين يسلكون في توجهاتهم الاصلاحية مسالك المصلحة الشخصية وهو الأمر الذي يدعونا الى إعادة النظر في نزاهة المثقف وفي مدى صلاحيته لأن يقول كلمته التي ينتج عنها توجيه لفكر الأفراد في المجتمعات وهنا لسنا في موقف تعميم بقدر ما أننا نطرح مواقف فردية موجودة بالفعل وحاضرة في كثير من المنابر الاعلامية. ونحن كأفراد في الوطن العربي لسنا بمعزل عن تلك النظرية « سلخ الذات « فأكثرنا يحلو له النقد ولربما قد نكون من أكثر المجتمعات نقدا وسخرية لمجتمعاتنا أو لحالنا ولا نكتفي بهذا الهجاء الذاتي وانما يأتي البعض من رافعي رايات الثقافة والعلم ومن العامة أحيانا ، يتحدث و يخجل أحيانا من عروبته خاصة عندما يتابع تصرفات العرب داخل وخارج أوطانهم وقد يذهب كثيرون الى النزول بمنزلة الشخصية العربية الى مستوى متردي من القيمة والمكانة والتحضر وهنا يأتي السؤال هل نحن أكفاء بما يكفي لنلقي بنقدنا وبتقييمنا للآخرين من أفراد مجتمعاتنا بهذه الطريقة المبالغة في سلخ الذات أو لنقل الانسلاخ من الذات ؟ إن عملية نقد الذات عملية ثقافية هامة لا بد وأن تطرح بطريقة مدروسة وخالية من التهكم والشعور بالدونية خاصة وأن البعض يحلو له عمل مقارنات مع الدول الغربية والتي تطورت وتقدمت وتجاوزتنا بقرن على أقل تقدير بحضارتها ونحن نتمسك بموقع المتفرج أو المشاهد ولربما يكون السلخ الذاتي واحدا من أسباب هذا التراجع والاحباط الذي يعاني منه الانسان العربي لذلك فان مجرد الشروع بالنقد لا بد وأن يستند على فكر تطوري ونظريات علمية يتم من خلالها توجيه الفكر العام للمجتمعات . ولو أننا عدنا الى التاريخ العربي فسنجد شخصيات عربية ممن اعتادوا على انتهاج النقد والسلخ من خلال شعر الهجاء والذي كان منتشرا في فترات من التاريخ العربي ولعل أقرب مثال لمن احترف واشتهر بشعر الهجاء الحطيئة واسمه جرول ابن أوس بن مالك ويكني بأبي مليكه وهو من فحول الشعراء ولم يسلم أحد من لسانه وهجائه حتي قيل أنه هجا نفسه وهجا أمه وزوجته وكانت أغلب القبائل العربية تهابه وتهبه المنح والعطايا خوفاً من هجائه فقد كان متين الشعر شرود القافية. ومن شعره في هجاء نفسه : أبت شفتاي اليوم إلا تكلما بشر فما أدري لمن أنا قائله أرى لي اليوم وجهاً قبح الله شكله فقبح من وجهٍ وقبح حامله إن سلخ الذات عملية قهرية غير سوية تؤدي الى نشر الكراهية والبغضاء وايغال القلوب وتعميم الغضب وهو أمر لن يؤدي الى إصلاح أبدا ولن تكون له نتائج إيجابية إنما النقد البناء القائم على تسليط الضوء على المنجز والكفاءة البشرية والذي من خلاله يتم تقديم بدائل تحل محل السلبيات قد يكون حافزا أو محفزا للتغيير. شاعرة واعلامية سعودية