مع كل أزمة يظهر المعدن الحقيقي للشعب الفلسطيني، الذي وقف صامداً طوال سنوات أمام الاحتلال وعنجهيته التي لم تجد لها رادعاً سوى شجاعة هذا الشعب وتضحياته طوال عقود من الظلم والقهر وغياب العدالة الدولية. وبعد هذه السنوات المريرة من سطوة المحتل اعتقد البعض أن أيام الصمود قد انتهت وأن هذا الجيل قد تم عزله عن واقعه الحقيقي فنسي القضية، وما أن يسود هذا الاعتقاد حتى ينتفض هذا الفلسطيني فيهتف باسم الحرية ويرفع يده حاملاً حجراً ليقف به شاهقاً في وجه كتيبة إسرائيلية مدججة بالسلاح. كان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرارة التي أذكت الغضب المكبوت فظهر جيل جديد ليحمل لواء المقاومة ويذكر الكيان الذي اغتصب الأرض بأنه لن يستطيع أن يقهر الإرادة والرغبة المشروعة في الحياة. عهد التميمي واحدة من هؤلاء الأبطال الذين خرجوا في مظاهرات واعتصامات أكثر مما ذهبوا للحدائق وأماكن اللعب، وفيما كان من في أعمارهم في الجانب الآخر من جدار الفصل العنصري يرتدي أحدث صيحات الموضة ويعلق صور المشاهير من الفنانين والنجوم العالميين على جدران غرفهم كانت هي وجيلها يرتدون الكوفية ويعلقون صور الأقصى ومفاتيح بيوت أجدادهم الذين ورثوا عنهم الحق في العودة. منذ طفولتها كانت عهد مشروع مناضلة.. وما زالت ذاكرة جنود الاحتلال تتذكر كيف دافعت تلك الطفلة عن شقيقها وأنقذته من بين يدي أحدهم عندما حاول اعتقاله قبل سنوات في قرية النبي صالح. والآن.. ها هي تشغل العالم وهي تقف مكبلة اليدين بين عشرات الجنود ورجال الأمن الإسرائيليين الذين تعود أصولهم وألوانهم من كل مكان ما عدا هذه الأرض التي جعلوا منها سجناً كبيراً لسكانها الأصليين. تهمتها.. أنها وقفت في وجه المحتل الذي جاء ليقتحم قريتها وعندما رفض الرحيل كهذا الكيان الصهيوني الذي يحتل بلادها صفعت غروره فكسرت كبرياءه الذي لم تستطع كل هذه الآلة العسكرية المحيطة به حمايته، أو الحفاظ على الصورة المزيفة التي صنعت له ومن معه من جنود الاحتلال. ليست صفعة لجندي واحد بل لكيان بأكمله لذلك أثارت هذه الصفعة كل الغضب على فتاة لم تغادر بعد سنوات طفولتها الأخيرة لتنتشر ضدها دعوات التحريض والتهديد على كافة المستويات الرسمية والشعبية، وهو ما يكشف حقداً لا يمكن تبريره بإلصاق تهم الإرهاب التي حاول الاحتلال من خلاله التستر وراء جرائمه بحق الشعب الفلسطيني. وبينما انشغلوا بالتحريض عليها ومحاولة كسر إرادتها وصمودها وراء القضبان وفي غياهب المعتقل.. وقفت هي شامخة بين سجانيها وهي تلوح بعلامة النصر لتقول لهم "اخرجوا من أرضنا.. فهذه الأرض ليست لكم".