«الكوفية» المعروفة بالسلك أو الحطة بلونيها الأبيض والأسود كلمة كانت في بدايتها غريبة عن كل ما هو بعيد عن تراب فلسطين ولكن مع مرور الزمن أصبحت منتشرة في مشارق الأرض ومغاربها، وصارت الكوفية جزءاً من التراث الفلسطيني الأصيل الذي يدل على كفاحهم ونضالهم في مقاومته ضد الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي لنيل حريته واستقراره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. إلى المحافل الدولية ويروي الحاج محمد جادالله (90 عامًا) المهجر من قرية يبنا عام 1948، تاريخ الكوفية الفلسطينية قائلاً: كنا نستخدمها لتجفيف العرق أثناء حراثة الأرض وللحماية من حرارة الشمس بالصيف والوقاية من البرد بالشتاء أثناء حرث الأرض. ويتابع: فكانت تدور على طبيعة الحياة التي كنا نعيشها ببساطتها وجمالها ويصمت جادالله قليلاً -ليسترجع ذاكرته أيام البلد- فيقول: الألوان الترابية الكوفية المعروفة بالأبيض والاسمر تدل على ملبس وحياة الفلاحين البسيطة. ويضيف: كان الفلاحون يرتدونها أثناء مقاومتهم الانتداب البريطاني الذي كان يحتل أرضنا فكانوا يضعونها على شكل لثام لتخفي ملامحهم حتى لا يعرفهم الانتداب وأعوانه، ويواصل: أصدر الانتداب قرارا باعتقال كل من يلبس الكوفية، فأصدرت قيادة الثورة قرارا للجميع بأن يرتديها فارتداها كافة سكان المدن ويوضح بأنه منذ ذلك الوقت وحتى الآن ترتدى الكوفية كرمز لنضال الفلسطينيين. وأعرب جادالله عن الفخر والاعتزاز الكبير بأنه من الفلاحين الذين صنعوا نضالا لشعبهم من خلال مقاومتهم الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى أن الكوفية التي أضحت رمز النضال الوطني الفلسطيني وترفع في كافة المحافل الدولية صارت في كل مكان في العالم، ويواصل: تعتبر الكوفية أيضاً جزءاً من مكونات التراث الفلسطيني الشامخ التي نعتز بها. الاعتقال والتعذيب لمرتديها خميس المملوك الذي اعتاد أن يرتدي الكوفية منذ طفولته لتقيه من البرد القارس بالشتاء ما دفع جنود الاحتلال الإسرائيلي لإيقافه وتهديده بالاعتقال والتعذيب إن فكر أن يرتديها ثانية، هذا المشهد دفع المملوك للتوجه لأمه للاستفسار عما حدث فشرحت له قصة الكوفية، هُنا زاد من إصرار المملوك (56 عامًا) على ارتدائها وخاصة في الانتفاضتين في مواجهة جنود الاحتلال. ويضيف المملوك بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان له الدور الكبير بانتشارها رغم أنها كانت قبله بعشرات السنين، ويكمل، والابتسامة تسيطر على شفتيه: عندما أرتدي الكوفية أشعر بالفخر والاعتزاز. الكوفية توحدنا ورغم عدم مبالاة المملوك بالتعذيب والاعتقال لارتياده الكوفية إلا أن محمود الرمحي من مدينة رام الله، والذي كان مصيره التعذيب والاعتقال لسنوات عديدة لرفضه القرار الإسرائيلي بعدم ارتدائها. ويقول الرمحي، لم يثنه التعذيب النفسي والجسدي ولا قسوة ومرارة الاعتقال بالسجون الإسرائيلية عن لبسها لأن الكوفية ارتبط اسمها بالكفاح والنضال الفلسطيني. الرمحي الذي عاد بذكرياته إلى بداية المواجهة الأولى مع الاحتلال الإسرائيلي في باحات الأقصى ومدن الضفة الغربية، حيث كان يتزين الشباب والفتيات والكبار والصغار بارتداء الكوفية، فلا تستطيع أن تميز أحدهم من الآخر، وتلك المشاهد تعود ثانية ونحن في نفس المشهد في انتفاضة القدس الثالثة، وأيضا نرتديها عندما تصدينا لإنشاء البؤر الاستيطانية وجدار الفصل العنصري. ويكمل: انبعث هذا الفكر من الفدائيين في مقاومتهم ضد الانتداب البريطاني. تذكرنا بأرضنا وأعرب اللاجئ الفلسطيني المقيم في الأردن وليد نصر بأن الكوفية الفلسطينية هي التي توحدنا كفلسطينيين في المخيمات الأردنية، ويقول:" لا يخلو بيت واحد إلا ويوجد به الكوفية فعندما نخرج في مسيرات نصرة لفلسطين ضد ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي بأهلنا هناك تكون الكوفية حاضرة مع كافة المتظاهرين، وأكد بأن الكوفية تمثل رمز التراث الفلسطيني الذي بقي متجذرا في عقولنا. أما اللاجئ الفلسطيني خليل الغلبان المقيم في لبنان فيقول تحترق قلوبنا عندما نسمع بالاعتداءات ضد وطننا المهجرين منها ويواصل الغلبان قائلاً في أحداث الانتفاضة التي نعيشها اليوم في كافة أنحاء فلسطين نخرج في أماكن تواجدنا ونرفع العلم الفلسطيني والكوفية التي عبرت عن رمز الكفاح ضد الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي، وبين أن الكوفية هي ينبوع الثورة الفلسطينية. عرفها الوفود بتراثنا ونقلت "دنيا الوطن" عن مدير مركز تراث غزةوالقدس للمشغولات اليدوية والمطرزات الفلسطينية حسام أبو دية قوله: إن الكوفية الفلسطينية معروفة بالسلك والحطة بلونيها الأبيض والأسود. ويتابع: يقوم المركز بعمل الكوفية بالتطريز "اليدوي", ومنذ عدة سنوات تقريبًا وجدت الحطة أيضًا التي توضع على الكتف والتي انبثقت من الكوفية. ويكمل حيث يقوم المسؤولون بإهدائها الوفود التي تزور فلسطين ويضعونها على أكتافهم كنوع من التكريم والهدف من الإهداء نقل التراث الفلسطيني العالم الخارجي وتبقى القضية الفلسطينية حاضرة بأذهانهم ويضيف، والحطة في بدايتها كانت سادة "بدون رسومات عليها " ولكن ابتكرت طريقة أخرى بوجود رسومات عليها كالمسجد الأقصى وقبة الصخرة كونهما معلمين دينيين وتاريخيين. ويتطرق إلى أنه في أحيان تؤخذ بكمية كبيرة وتهدى للعديد من المسؤولين في العالم الخارجي وأخرى تسوق للمشاركة في المعارض الدولية، موضحاً، أنه يوجد إقبال كبير على شرائها من قبل السياح المغتربين، وقال: اشتهرت الكوفية في عهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لارتدائه على شكل حطة وعقال، وأفاد بأن بعض التجار الموجودين في مدينة القدس يعملون الكوفية في الصين وتروج أنها أصلية. بدوره، أكد رئيس قسم التاريخ والآثار بالجامعة الإسلامية د. غسان وشاح بأن الكوفية التي كان يستخدمها الفلاحون في قراهم التي هجروا منها عام 1948 لتجفيف عرقهم أثناء حراثة الأرض ولوقايتهم من حر الصيف وقسوة البرد في الشتاء، ثم أصبح الثوار الفلسطينيون يضعونها لتنفيذ العملية الفدائية ضد الانتداب البريطاني وكانت بدايتها في الثورة الكبرى 1936 مرورا بوضعها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بالانتفاضتين وتصديهم لإقامة جدار الفصل العنصري والبؤر الاستيطانية بالقدس والضفة، واليوم في انتفاضة الأقصى الثالثة. ويواصل: إن الكوفية أقوى من الصاروخ والحجر والسكين فمحاولة الانتداب وبعده الاحتلال اعتقال وتعذيب كل من يرتديها هو دليل واضح على أنها سلاح فتاك وقوي يؤذي الاحتلال لأنه لا يريد بأن تبقى رمزا للفلسطينيين وأيضاً الأجانب الذين يقاومون جدار الفصل العنصري يرتدونه ويتابع الكوفية تمثل عراقة تراث الفلسطينيين النابع من مقاومتهم للانتداب والاحتلال. وعن سبب التسمية الكوفية، قال د. غسان": أطلق عليه الكوفية لأنها جاءت من الشيء المكفي المقلوب فهي قلبت على رأس الفلسطيني لتقيه من البرد والحر فسميت كوفية.