في مقالنا الرابع والأخير من هذه السلسلة، سأحاول الإجابة بحول الله على السؤال الملح ماذا تحتاح الجامعات من إصلاحات وتطوير لكي تصبح جامعات مبتكرة؟ فمن الواضح عدم اقتصار الدور الذي يلعبه الابتكار بالنسبة للجامعات على نقل المعرفة فقط بل يتجاوز ذلك المدى بكثير حيث يؤثر الابتكار على الأطر الحاكمة والمناهج وطرائق التعلم والتدريس وكذلك البنى التحتية والتسهيلات التي تدعم الطلاب والطالبات عند بدء مشاريعهم الناشئة ومختبرات الإبداع. فربما لا يؤدي نقل المعرفة إلى توليد الدخل بطريقة بالغة الأهمية بل ينظر إليه كونه جزءاً من المسؤولية المجتمعية للجامعات وعنصراً رئيسياً في التكامل مع الأطر المحيطة بها، حيث يوفر بديلا لمسار التطوير الذاتي أو المهني للطلاب والطالبات وبالتالي يمكن دعمه وتعزيزه مثلما الحال في جامعة وارويك في المملكة المتحدة. يجب أن تنتقل الجامعة من نقل المعرفة الذي يشكل تقييداً لعملية الابتكار إلى تبادل المعرفة والتي تعرف بأنها مجموعة من السياسات والممارسات تساهم بفعالية في مشاركة المعرفة بين المنتجين (الباحثين الأكاديميين) والمستخدمين لها (صناع السياسات، أصحاب المصلحة، رجال ورواد الأعمال وغيرهم)، وبالتالي يضمن نموذج تبادل المعرفة تزويد أرباب الأعمال بالمعرفة والمهارات والجدارات التي يحتاجون إليها وكذلك المجتمع من الناحية الأخرى الذي يكون له أثرا واضحا على تطوير المناهج وطرائق التعلم والبحث العلمي وزيادة مشاركة الجمهور، وبالتالي عندما يتخرج الطلاب والطالبات من الجامعة إلى سوق العمل يأخدون معهم الاستعدادات والمعرفة والمهارات المكتسبة بالجامعة. ومن أجل تعظيم ذلك الأثر وبطريقة مثلى، تحتاج الجامعات إلى إستراتيجية لإدارة المعرفة تعزز من عملية مشاركتها في نموذج تبادل المعرفة. حيث يسمح هذا المفهوم لكل من أرباب الأعمال والمجتمع بالمشاركة والتأثير على توجهات الجامعة من عدة زوايا مثل إقامة الشراكات والتحالفات مع أرباب الأعمال، المشاريع البحثية المشتركة، توفير برامج ودورات تدريبية قصيرة لأرباب الأعمال، وانخراط الطلاب والطالبات في سوق العمل، وحاضنات الأفكار. أصبح اليوم تبادل المعرفة جزءا أساسيا من الرسالة التي تريد العديد من الجامعات الأوروبية توصيلها، ويعكس قيمة لتغير ثقافة الجامعة وجزءا من تأثيرها، فتبادل المعرفة يقدم رؤية جديدة للجامعات في كيفية إقامة علاقات مع أرباب الأعمال والمجتمع وبشكل يقود التغيرات في كافة ممارسات وعمليات الجامعة الداخلية. تحتاج الجامعات التقليدية إلى تطوير مجموعة من الإصلاحات حتى تكون جامعات مبتكرة ومن بينها إزالة المعوقات من أجل تشجيع وتسريع الابتكار والسعي بإدارة قوية وشفافة نحو تقليص حدة الممانعة له، وتقديم حوافز لإقامة شراكات مع المشاريع التجارية وبشكل يجعل الجامعة قريبة من عالم الأعمال. كما يجب أن تقدم الجامعة المعرفة والمهارات التي يحتاجها سوق العمل، ويجب أن يتماشى هذا النمط مع أجندة واضحة للتدريب المستمر مدى الحياة، وضرورة وجود مناهج وطرائق تدريس مبتكرة ودورات تدريبية وتأهيلية تساهم في إكساب المهارات التي يطلبها سوق العمل. علاوة على ذلك، يجب إصلاح منظومة الاعتمادات التمويلية للجامعات وربطها بالنتائج، إضافة الى تعزيز ثقافة الأعمال داخل الجامعات من خلال إنشاء مكتب الابتكار ونقل التقنية والذي يكون مسؤولاً عن التطوير والتراخيص وحماية الملكية الفكرية والترويج التجاري للمخرجات الأكاديمية والبحثية. ختاماً يجب أن تركز الجامعات على تطوير هياكلها التنظيمية وطرق إدارة فريق عملها، فالابتكار لا يقصد منه بالضرورة التخلص من كل ما هو تقليدي، بل إدخال طرق ومفاهيم جديدة للثقافة الأكاديمية بالجامعات التقليدية لتعظيم ما يمكن أن تقدمه ليس فقط لأرباب الأعمال بل المجتمع المحيط بأسره.