سوف يركز المقال على إيضاح المنهجية المرتبطة بإقامة الجامعات المبتكرة، فلا شك أن مسألة تقييم قدرة الجامعة على الابتكار وتوليد المعرفة يجب أن يكون تقييماً شاملاً، بحيث يتضمن كافة الأنشطة الأكاديمية والتجارية. كما أن النموذج الأمثل للجامعات المبتكرة يمثل جسراً ما بين الأبحاث الأكاديمية وما تحتاجه السوق من خدمات ومنتجات تجارية وبما يضفي قيمة مضافة للتقنية المنتجة. فالجامعات المبتكرة لا تركز فقط على الأبحاث الأكاديمية ولكنها كذلك تركز على تطوير المنتج وبما يساهم في تمكين شريكها التجاري من الحصول على تراخيص ليس فقط للتقنية المنتجة ولكن كذلك للمنتج الذي يتم صنعه وابتكاره، في الوقت الذي تكون فيه الجامعة هي المالكة لكافة حقوق الملكية الفكرية لما تم ابتكاره. ومن ثم تحتاج الجامعات منهجية شاملة تتضمن إعادة تشكيل وتحسين كافة العمليات والممارسات المرتبطة بنقل التقنية من الجامعات إلى الأسواق التجارية وتطوير تطبيقات مبتكرة، واستكشاف جدوى الأسواق التي سوف يتم طرح المنتجات المبتكرة فيها، وتقييم حدة المنافسة بكل سوق، ومراقبة كافة المخاوف المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية، وتدبير رؤوس الأموال المستثمرة، وبناء شبكة من العلاقات التجارية مع الشركات، وأخيراً الاستفادة من تلك الممارسات ونقل الخبرات المرتبطة بها إلى الطلاب والطالبات. وقد شهد العقدان الأخيران تقدماً ملحوظاً تجاه قبول الدور الجوهري للجامعات في تحسين التنمية الاقتصادية وتوليد منصات الابتكار لخدمة رواد الأعمال والمجتمع، ويمثل الابتكار دوراً مركزياً في مشاركة الأثر المهم للعديد من الجامعات سواءً المناهج والعلوم المطورة، أو نقل المعرفة والتقنية، أو القدرة على التكامل الاقتصادي وبناء الروابط مع قطاع الأعمال، أو القطاع الحكومي. فحسب تصنيف "CLARIVATE ANALYTICS" لعام 2016م يوجد في الولاياتالمتحدة الأميركية نحو 50 جامعة مبتكرة من ضمن أفضل 100 جامعة مبتكرة على مستوى العالم مثل جامعة ستافورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هافارد بينما يوجد في دولة اليابان نحو 9 جامعات مبتكرة وفي فرنسا 8 وكذلك في كوريا الجنوبية 8 جامعات مبتكرة. ورغماً عن هذا فالدور الجوهري للجامعات لتقديم القاعدة البحثية لاقتصاد المعرفة ربما لا يكون كافياً، فمن ضمن خمسة مكونات رئيسية، بعض الجامعات ربما توفر لديها أربعة من أصل خمسة مكونات وهي القدرة البحثية و جودة الأبحاث العلمية والقابلية للتطبيق وكذلك البنية التحتية اللازمة لنقل المعرفة ولكن يغيب عنها المكون الخامس المؤثر وهو قدرتها على احتواء المعرفة وأقلمتها مع حسب متطلبات الاقتصاد المحلي وهو العنصر الذي يمثل تحدياً للكثير منها. وختاماً فإن تنامي إدارك الحكومات الوطنية بشكل ملحوظ لقيمة الجامعات بالنسبة للاقتصاديات المحلية من خلال وجود الجامعات وأفكارها سوف تسطيع المساهمة بفعالية في زيادة درجات التكامل الاقتصادي، وبالأخص عندما يكون هناك إدارة فعالة لعمليات نقل المعرفة، ووجود شركاء للجامعات، بغرض تطوير المراكز العلمية عالية التكنولوجيا، ومراكز قطاعات الأعمال التجارية، ويظل السؤال الأكثر إلحاحاً مطروحاً رغم ذلك الزخم والاهتمام المتزايد بدور الجامعات، "ماذا تحتاج الجامعات من إصلاحات أو تطوير كي تصبح جامعات مبتكرة؟" إجابة هذا السؤال سوف تكون محور المقال القادم والأخير من هذه السلسلة بإذن الله. * جامعة الخليج العربي - مملكة البحرين