تعتبر الجامعات لاعباً رئيساً في مستقبل اقتصاد الدول وضمان نجاح تحولها إلى مجتمع واقتصاد قائم على المعرفة، هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد والمجتمع يحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية، ووضع رؤية واضحة لكل من التعليم والبحث العلمي والابتكار من أجل تحسين التنافسية والاستدامة. هذا المقال غرضه التحقق وبيان ماهية التغييرات اللازمة لتحويل الجامعات التقليدية لكي تكون جامعات مبتكرة، وكيفية إحداث هذا التغيير في رؤية وسياسة الجامعة، فكما هو معروف أن الابتكار هو عملية مستمرة، ويحتاج إلى بنية تحتية وموارد هائلة تجعله يعمل بنجاح. علاوة على ذلك يجب على الجامعات أن تظهر اهتماماً خاصاً بالمجتمع المحيط بها بهدف التعرف على مدى توافقه مع مواطن قوتها. لا شك أن انتقال الابتكار من الجامعات إلى المشروعات التجارية يسهم في إحداث تغييرات جوهرية في مسار العلاقة بين الجامعات وتلك المشروعات التجارية ويجعل منها مكون إستراتيجي لتطوير الجامعة وتوجيهها نحو ريادة الأعمال واكتساب المزيد من المهارات بهدف توليد مثلث المعرفة "التعليم، الابتكار، البحث العلمي". لا بد من أن يتم النظر إلى الجامعات الآن على أنها محفزات اقتصادية بالغة الأهمية في تطوير وتحويل المعرفة إلى الأسواق التجارية، بالإضافة إلى كونها عناصر أساسية في تطور مجتمعات الأعمال المحيطة من خلال استيعابها لأفكار الطلاب والطالبات. الجامعات اليوم في حاجة ملحة إلى إجراء تغييرات تنظيمية ضرورية وبناء التوجهات نحو ريادة الأعمال واكتساب المهارات الإدارية عبر طرق ووسائل متنوعة منها إقامة تجمعات محلية لتوليد المعرفة مع مجتمع الأعمال أو المشروعات البحثية المشتركة أو ما يعرف بمكاتب نقل المعرفة. هذا بالإضافة إلى حث الجامعات على تحمل مسؤولية أكبر فيما يخص قدرتها على تحقيق الاستدامة المالية بها في الآجل الطويل من خلال تنويع طرق تمويل محفظة المشاريع البحثية من خلال التحالفات والشراكات مع القطاع الخاص وإيجاد مصادر تمويلية إضافية. هذا التغيير المنشود في الجامعات التقليدية يجب أن يأخذ في حسبانه العديد من الاعتبارات منها على سبيل المثال لا الحصر، قدرة الجامعات على إقامة تحالفات وشراكات مع مجتمع الأعمال المحيطة بها، وجود رغبة صادقة ودعم حقيقي من الإدارة العليا، وجود بنية تحتية مثل مكتب نقل المعرفة يتضمن فريق عمل مؤهل، وضع سياسات داعمة لما يعرف بإستراتيجيات التراخيص وحقوق الملكية الفكرية وضمان وجود حوافز لتشجيع الكادر الأكاديمي على التقديم للحصول على براءات الاختراع، وعلاوة على ذلك يجب أن تولي الجامعات اهتماماً فائقاً لتعزيز روح ريادة الأعمال فيها وضمان وجود استجابة متفاعلة وسريعة لما يعرف بآليات السوق كالعرض والطلب. وقد ظهر حديثاً العديد من الدراسات التطبيقية تستهدف وضع تصنيف للجامعات وفقاً لمؤشرات معينة تحدد قدرتها على الابتكار مثل إعداد الأوراق العلمية المنشورة أو الاختراعات الجديدة أو جلب مصادر تمويل إضافية للمشروعات البحثية، وبالتالي مفهوم ما يعرف بالجامعات المبتكرة هو في حقيقته أن تقوم الجامعات وبشكل محدد بالجمع بين استخدام المعرفة من أجل نمو القطاعات الصناعية والتجارية أو الاقتصاد الكلي وتقديم إطار فعال للعلاقة الديناميكية بين مخرجات التعليم والبحث العلمي (البحث والتطوير) وقطاع الأعمال التجارية والقطاع الحكومي. ويمكننا القول: إن المعيار الفاصل بين الجامعات المبتكرة وغيرها من الجامعات هو قدرتها على توليد ومشاركة ونقل المعرفة وتقييمها من خلال أبعاد العلاقة الثنائية التي تشمل فقط المخرجات الأكاديمية ومجتمعات ريادة الأعمال. فالجامعة المبتكرة تقوم بوظيفة الجسر لربط مخرجات البحث العلمي من أعمال وأبحاث ونقلها إلى القطاع التجاري والصناعي. ولا سيما أنه يضع العلم قيد التنفيذ والاستفادة الفعلية التي تنعكس على المجتمع بمختلف مكوناته وأطيافه. فالهدف من الأمر برمته هو تحويل الأفكار إلى أفعال حقيقيّة لها تأثير مُباشر وملموس على حياة الناس في المجتمع فنشر الأخبار والمقالات والأبحاث مفيد، لكن اقتصار دور الجامعات على النظريات فقط دون وضعه قيد التنفيذ يجعل الأمر برمته بلا فائدة حقيقية للمجتمع.