كان الحفل الذي أحيته الفنانة اللبنانية هبة طوجي منذ أيام في الرياض، أكبر صفعة أيقظت الجمهور الخليجي على واقع نأبى الاعتراف به، وهو أن الخليج بأكمله لايوجد فيه أي مطربة شابة تؤدي فن الغناء المسرحي، بل يعتبرن فنانات "أعراس" لا يملكن ثقافة "المسرح الطربي" وكل ما يقدمنه هو وصلات غنائية تشبه تماماً ما يقدمنه على قاعات حفلات الزفاف! هبة طوجي قدمت عرضاً متكاملاً تم العمل عليه منذ أسابيع طويلة حتى يظهر بشكله النهائي الذي ظهر فيه، أثبتت وهي تصدح بصوتها "الأوبرالي" الفخم والمصقول، وتقدم استعراضها الراقي مستعينة بأهم المؤثرات، أن الفن الشبابي له مفهوم آخر، لا يتعلق بالشكل والمكياج وأغاني "الطق"، بل بالسحر والبهاء على أرقى الأنغام وأجمل المقطوعات، حتى تلك السريعة منها. وبرغم أن الفنانات الشابات في الخليج يأبين الاعتراف بأن ما يقدمنه ليس طرباً ولا فن مسرح، معللين ذلك بأن ذائقة الجمهور هي الحكم الأول، إلا أن نفس هذا الجمهور الذي يتراقص بحفلاتهن ويلحقهن على كل مواقع التواصل دون أن يفهمن الأسباب الحقيقية خلف ذلك، هو نفسه الذي ملأ قاعة مركز الملك فهد الثقافي بالرياض وأسهم في نجاح حفل هبة طوجي ليصفه بالأفضل والأول من نوعه على كافة مواقع التواصل الاجتماعي. مؤخراً، انتشرت مقاطع من لقاء للفنانة المصرية الشابة دنيا سمير غانم ببرنامج "صاحبة السعادة" وهي تغني "سألوني الناس" لجارة القمر فيروز، حيث تبادلت تلك المقاطع كافة الحسابات الفنية على مواقع التواصل واصفين دنيا بأنها الفنانة العربية الشابة والوحيدة التي يمكن وصفها بالشاملة، فما كان من الجمهور الخليجي سوى تركيب تلك المقاطع على مقاطع أخرى لفنانات خليجيات شابات يغنين في برامج مختلفة أغنيات لفيروز مشيرين إلى الفارق الكبير بينهن جميعاً وبين دنيا من ناحية تحكمهن بأصواتهن وطريقة وقفتهن على المسرح وإتقان اللحن وانسجامهن مع الموسيقى وحتى تعابيرهن التي لا تنقل أي إحساس، برغم أن دنيا ليست مطربة بل هاوية للطرب وممثلة من الطراز الرفيع، ولكن ما زال الفارق كبيراً! فالفارق ليس بالقدرات، لأننا نملك في الخليج اسمين أو ثلاثة شابة ممن يملكن أصوات خام قوية، ولكن الفارق في كيفية استهلاك كلاً من أولئك الفنانات لأصواتهن وإحساسهن خلال نشأتهن الفنية، فدنيا سمير غانم أو هبة طوجي لا يقضين الوقت الذي تقضيه فنانات الخليج الشابات في الأعراس، بين السماعات الصخبة والأصوات العالية لدرجة تفقدهن الإحساس بما يرددنه من كلمات حتى يصبح جل تركيز الفنانة على فصل نفسها وأذنها عما حولها لتؤدي وصلتها كما يجب دون أن تخطئ بالكلمات أو اللحن، لتتحول إلى مؤدية، بينما لو كانت قضت ربع هذا الوقت الذي تقضيه في حفلات الزفاف داخل الاستوديو ومع الفنانين الحقيقيات لكانت صقلت موهبتها ورسمت لنفسها هوية فنية حقيقية.