الأسبوع الماضي تم افتتاح كورنيش جدة الشمالي الجديد الذي يضم جسر مشاة رائع يعتبر أطول جسر في المملكة بطول 650 م و12 نافورة وممشى رائع يتجاوز طوله أربعة كيلومترات ودورات مياه وحدائق وساحات وأماكن جلوس. ومنذ افتتاح الكورنيش تدفق المتنزهون لمشاهدته والتمتع بخدماته والتصوير وتسجيل الحضور الأول رغم تحفظ البعض على الذهاب في هذه الأيام والانتظار إلى بعد انتهاء الزحام. والواقع أن الصور الأولى تعكس مشروعاً يليق بعروس البحر الأحمر بعد سنوات من المعاناة والسيول والأوجاع التي عصفت بالمدينة وتركت آثارها عليها وستستمر ظاهرة لسنوات طويلة، كانت جدة تستحق أن ترتدي الحلة الأجمل وأن تتزين بما يليق لها وأن تصدر الجمال للآخرين من خلال البحر وكورنيشها الذي هو رئة المدينة ومتنفس أهلها على امتداد الأسبوع، ولكن التكدس والزحام يزداد في نهاية كل أسبوع، البحر هو روح العاشق له وهو حياة من لا حياة له، تذوب فيه ويستخلص منك واقع حالك بالمجان، تغسل داخلك وأنت تحدق فيه، يحتويك وتغادره هادئاً بعد أن حضرت إليه يخامرك الإرهاق ويقتلك الهاجس. هو البحر ولكن كورنيش جدة هو جدة وهو حقيقتها الأولى وهو ماضيها ومستقبلها على امتداد الساحل، ويقصده الناس ليجلسوا أمامه على الأرض أو على كراسيهم مع قهوتهم وأطفالهم والأصدقاء لم يتوقفوا من الحضور إليه بالرغم من سوء الخدمات وبالذات دورات المياه التي لا توجد إلا في المساجد، هذه الخدمات التي لا تليق بالمتنزه تنبهت لها أمانة جدة وقامت بتجهيز الكورنيش الجديد بالخدمات اللازمة من ممشى ودورات مياه ومسابح وأشكال جمالية وجلسات تغنيك عن إحضار كراسي وحدائق رائعة، تجمل الرؤية وتشعرك بالسعادة، لكن هل استمر الفرح بذلك دون منغصات؟ بعد الافتتاح بدأت الأيدي العابثة بالتكسير كالعادة وترك بصمتها السيئة على الكورنيش من خلال تكسير دورات المياه وتحطيم بعض المداخل وكتابة الأسماء ونحتها على بعض الأعمدة بطريقة تعكس الجهل وعدم الإحساس بالمسؤولية وتقدير الأشياء العامة والممتلكات التي هي ملك للجميع. هذا السلوك الهمجي والتصرفات غير المسؤولة أزعجت المواطنين قبل أن تزعج السلطات لأن الكورنيش ينبغي أن يحافظ على جماله وأن نتعامل مع هذه المنشآت بشكل حضاري يليق بنا، هذا الإزعاج ترجمته الجهات المسؤولة بالقبض على المتسببين في التخريب بعد أن رصدتهم كاميرات المراقبة وتسلمتهم الشرطة للعقاب الذي يبدو أنه هو الغرامة التي تبلغ 2000ريال لمن يعبث بالأجهزة، أما إساءة استخدام دورات المياه 500 ريال. وأعتقد أن الغرامة سوف يدفعها ولكن حق المجتمع من يدفعه؟ ومن يدفع ثمن هذا العبث والكتابات السخيفة على الجدران وفي الشوارع؟ في الواقع هي تعكس تفاهة وفراغ وقلة عقل، وعلى الشرطة أن تكلف هؤلاء بعمل تطوعي ينظفون فيه الأماكن التي أتلفوها لمدة لا تقل عن أسبوع حتى يتفهموا قيمة ما أتلفوه.