قرار إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني دليل على تخلص المملكة من البيروقراطية الإدارية التي حالت لسنوات عدة دون تأسيس مثل هذه الجهة التي تنظم هذا المجال الحيوي، وسيساهم هذا القرار في تنظيم دور كل الجهات ذات العلاقة، وسيحافظ على الوطن ويبني قدراته لتكون المملكة لاعباً رئيساً في العالم التقني المترابط لمواجهة حروب المستقبل والتي سيكون ميدان معركتها الفضاء السيبراني (الافتراضي). والحقيقة أن الفضاء السيبراني هو مجال مركب يشمل مجموعة من العناصر: (أجهزة الكمبيوتر، أنظمة الشبكات والبرمجيات، حوسبة المعلومات، نقل وتخزين البيانات ومستخدمو كل هذه العناصر)، أما الأمن السيبراني فهو عبارة عن مجموع الوسائل التقنية والإدارية التي يتم استخدامها لمنع الاستخدام غير المصرح به بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل نظم المعلومات وتأمين حماية وسرية البيانات الشخصية. وتتكون الحرب السيبرانية من شقين؛ الشق الدفاعي ومهمته حماية مكونات الفضاء السيبراني المادية والمعنوية، والشق الهجومي، بعدما تحول الفضاء السيبراني إلى ميدان للتفاعلات الدولية، الأمر الذي جعل هذا الفضاء مجالاً للصراعات المختلفة بين الدول لتحقيق أكبر قدر من النفوذ. وتعتبر الحرب السيبرانية غامضة الأهداف مجهولة المصدر تتحرك عبر شبكات المعلومات والاتصالات وتستخدم أسلحة إلكترونية يتم توجيهها ضد المنشآت الحيوية، أو دسها عن طريق عملاء أجهزة الاستخبارات، والطرف الذي يتمتع بقوة هجومية ويبادر بعنصر المباغتة سيكون له الغلبة بغض النظر عن حجم قدراته العسكرية التقليدية. وهناك عوامل عدة ساهمت في تنامي الحرب السيبرانية، أولها تزايد ارتباط العالم بالفضاء السيبراني في جميع مرافق الحياة، الأمر الذي اتسع معه خطر تعرض البنى التحتية المعلوماتية لهجمات إلكترونية. وأيضاً تراجع دور الدول في ظل الخصخصة وانسحابها من بعض القطاعات الإستراتيجية لمصلحة القطاع الخاص، وتصاعد أدوار الشركات متعددة الجنسيات والتي تملك قدرات تقنية تفوق الحكومات. والحقيقة أن هناك عدم قدرة لدى المجتمع الدولي في التدخل لاحتواء أسلحة الحروب السيبرانية وأصبح التفوق في الفضاء السيبراني أو الإلكتروني سلاحاً حيوياً في تنفيذ عمليات ذات فاعلية في الأرض والبحر والجو واعتماد القدرة القتالية في هذا الفضاء على نظم التحكم والسيطرة التكنولوجية. وتعيش الدول المتقدمة سباقاً مع الزمن لامتلاك التكنولوجيا وأنظمة الحماية، وتطوير قدرات هجومية تعمل على تحقيق التفوق التقني، وضرورة العمل على توفير الميزانيات المخصصة لتطوير القدرات في أسلحة الهجوم والدفاع السيبراني، والعمل على بناء القدرات الوطنية السيبرانية للهجوم والرصد وسلامة الدفاعات السيبرانية ومنع تعرضها لأي خلل فني طارئ، ولذلك علينا أن نبادر إلى وضع إستراتيجية وطنية للفضاء السيبراني بشقيه الدفاعي والهجومي، معتمدين في ذلك على الكوادر الوطنية المتخصصة وخاصة في جوانب تقييم واختبار البنى التحتية للمعلومات والاتصالات وبناء القدرات الفنية الوطنية للفضاء السيبراني. وتحتاج الهيئة إلى أن يكون لديها خطط لعقد ورش يشارك فيها أكاديميون وذوو خبرة عملوا في أمن المعلومات والحرب الإلكترونية واستخبارات الإشارة، وسن قوانين تشجع العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة في الإبلاغ عن أي تهديدات تواجههم. إن المرحلة الحالية تتطلب إدخال الحرب السيبرانية ضمن العقيدة العسكرية، وإدراج الأمن السيبراني ضمن مناهج التعليم، وعقد دورات تخصصية، وأن يكون للجهات الإعلامية دور في تثقيف المواطن بمخاطر هذا الفضاء.