إن التقدير العلني من خلال احتفال رسمي أو أمام زملاء العمل هو الأكثر تأثيراً، ولكن هذا لا يلغي أهمية التقدير اليومي - إن صح التعبير - المنبثق من تفاعل المدير مع موظفيه ومتابعة أدائهم وتركيزه على إيجابياتهم، ثم تقدير ذلك ولو بمكافآت بسيطة.. تقول نصيحة إدارية: بإمكانك تفويض كثير من المهام، إلا تقديم الشكر لمرؤوسيك، فاحرص على أن تفعل ذلك بنفسك. تدخل هذه النصيحة في باب تقدير الرؤساء لمجهودات وإنجازات العاملين وتنطلق من قناعة مدعومة بالتجارب بالتأثير الإيجابي القوي للتقدير على الرضا الوظيفي والإنتاجية والإبداع وانخفاض نسبة ترك العمل. التقدير بشكل عام وسيلة تربوية مؤثرة في حياة الناس حتى في المواقف البسيطة. في مرحلة الطفولة نصفق للطفل لأنه حاول أن يعتمد على نفسه في تناول الطعام ونجح في ذلك، ونحتفل في البيت بالطالب الذي تفوق في دراسته، ونشيد بربة البيت –أو العاملة المنزلية- بعد إعداد وجبة لذيذة. وفي مواقف أخرى قد ننسى أن نشيد بأداء متقن يقوم به عامل النظافة أو الجرسون أو السائق أو موظف الأمن أو السكرتير، وقد يتعمد بعض المديرين تجاهل التقدير من منطلق أن الأداء الجيد هو المطلوب من الجميع، وهؤلاء لا يرون حاجة لوجود برنامج للتقدير على مستوى المنظمة. لكن دراسات واستطلاعات وتجارب في القطاعين العام والخاص تؤكد أهمية التقدير المادي والمعنوي وأثره الواضح على الرضا الوظيفي والإنتاجية والاستمرار في العمل. تربط بعض الأبحاث سعادة الموظفين بالتقدير، وهذا يؤدي إلى استمرارهم في العمل. ويعد الاحتفاظ بالموظفين المتميزين أحد معايير النجاح في المنظمات. التقدير كما يرى أحد المختصين ليس مجرد رد فعل على الأداء الرائع للموظف بل هو سبب فيه. إن القناعة بأهمية التقدير ومراسم دفعت بإحدى الشركات إلى تصميم برنامج لتدريب المديرين على أهمية مراسم تقديم جوائز التقدير. وقد لوحظ زيادة في الإنتاجية والمجهود والأفكار وارتفاعاً في نسبة الرضا الوظيفي نتيجة لمراسم التقدير التي تنظمها تلك الشركة. هذا يوضح أيضاً تأثير التقدير حين يكون علنياً. (في استطلاع خضع له أكثر من 33 ألف شخص من الحاصلين على جوائز تقديرية في أمريكا وكندا فإن مراسم تقديم جوائز التقدير التي تدار بطريقة فعالة تترك انطباعاً عظيماً، وتؤثر طريقة تقديم الجائزة على صورة الشركة ككل لدى الموظف. في هذا الاستطلاع قال 97 % من الموظفين الذين وصفوا مراسم تقديم الجوائز في شركتهم بأنها ممتازة، أنهم شعروا أن إسهاماتهم كانت محل تقدير مقابل 39% شعروا بالتقدير والسبب هو تلقيهم جوائز التقدير عن طريق البريد. من كتاب: الموظف غير المرئي / تأليف أدريان جوستيك وتشيستر التون/ ترجمة شيما شلبي). واقع بيئة العمل لدينا في المملكة يتضمن أنماطاً مختلفة من أساليب التقدير والتكريم. لكن الملاحظ أن تقدير المتميز قد يتأخر حتى مغادرة الموظف للتقاعد أو لعمل آخر. هذا التأخير يضعف أثر التقدير ويفقده أهميته خاصة إذا كان خطاب شكر يصله بالبريد أو شهادة خبرة يسلمها له الموظف المختص! إن حفلات التقدير تختلف عن مناسبات توديع المتقاعدين لأن الأخيرة عادة مستمرة ومع ذلك ينتج عنها أحياناً بسبب ضعف الإعداد والتنظيم والإخراج حالات من عدم الرضا والامتعاض. أما حفلات أو مناسبات التقدير للموظفين قبل التقاعد فهي نادرة لأسباب مختلفة منها عدم القناعة بها، أو عدم توفر الوقت، أو عدم وجود نظام وآلية للتقدير. تلك الأسباب تجعل تنظيم مناسبات لتقدير الموظفين خاضعة للمبادرات الشخصية من رئيس الجهاز أو من أحد مساعديه أو مقترح من موظف مغمور، وهذا الأخير يستحق التقدير على اقتراحه. إن التقدير العلني من خلال احتفال رسمي أو أمام زملاء العمل هو الأكثر تأثيراً، ولكن هذا لا يلغي أهمية التقدير اليومي إن صح التعبير المنبثق من تفاعل المدير مع موظفيه ومتابعة أدائهم وتركيزه على إيجابياتهم ثم تقدير ذلك ولو بمكافآت بسيطة. خذ مثلاً قصة يرويها المؤلفان المشار لهما آنفاً، القصة عن مديرة مطعم يعمل تحت إشرافها 77 موظفاً استطاعت تحقيق تراجع في نسبة دوران العمل بنسبة 25 %. السر في نجاحها هو الاهتمام بالموظفين بعدالة. وهي تروي موقفاً مع إحدى عاملات غسل الأطباق بالمطعم التي كانت في بداية عملها بطيئة، وحين أنجزت عملاً رائعاً تمثل في تنظيف أماكن رص الأطباق بالكامل في غضون نصف ساعة، وكان في العادة يستغرق 45 دقيقة. أهدتها مدير المطعم كعكة آيس كريم كي تأخذها معها الى المنزل وتحدثت إليها شخصياً وأشادت بعملها. ماذا كانت النتيجة؟ تقول المديرة، لو كنت رأيتها وقتها لظننت أنني قد أهديتها العالم وما فيه. وتضيف المديرة: أصبحت العاملة أكثر انفتاحاً في التعامل معي، وتتحدث معي أكثر من السابق، إن منصب المدير العام عادة ما يخيف الكثير من الناس، ولكني بهدية الكعكة جعلت هذه الموظفة تشعر بمزيد من الارتياح في التعامل معي، واليوم نحن أقرب بكثير حتى إنني أحياناً ما أشمر عن ساعدي وأساعدها في غسل الأطباق عندما تبدأ في التراكم. نلاحظ من تلك القصة أن المكافأة بسيطة لكن العبرة في معناها وأسبابها، وآثارها المعنوية. يضاف إلى ذلك أن التقدير يستهدف كافة المستويات الوظيفية ولا يقتصر على مستويات محددة. هذه العدالة في التقدير تتطلب ألا يعتمد المدير اعتماداً كلياً على نماذج التقييم وأن يبذل جهداً أكبر في المتابعة الميدانية والتواصل المباشر مع الموظفين والاستماع إليهم. ولعلنا في نهاية المقال نوجه الأنظار إلى بيئة العمل لدينا ونتساءل عن مدى (التقدير) الذي نوليه (للتقدير) وهل هو مبدأ ثابت في سياسة المنظمة وثقافتها وهل ينتقل من صفحات الكتيبات إلى التطبيق؟ ولماذا لا يتحقق التقدير أحياناً إلا بعد وفاة الشخص الذي يستحق التقدير؟ وهل نمارس هذا الحافز المعزز للسلوك الإيجابي في مدارسنا وفي بيوتنا؟ مرة أخرى، التقدير ليس مجرد رد فعل على الأداء الرائع للموظف بل سبب فيه.