حين رفضت المملكة العربية السعودية استقبال بن لادن في العام 1990، طار الأخير إلى السودان من أفغانستان في أوائل عام 1991 وكان تنظيم القاعدة قد تشكل قبل ثلاث سنوات فقط، ولكن رسمياً على الأقل كانت الولاياتالمتحدة ما تزال تعتبر بن لادن من "الأصدقاء". وبحلول العام 1998، وبعد أقل من عامين من طرد بن لادن من السودان، أصبح أحد أكثر المطلوبين للولايات المتحدة الأميركية حيث كانت سنوات بن لادن في السودان حاسمة لتطوير شبكته الإرهابية. رمزي بن الشيبة منسق أحداث 11 سبتمبر زار طهران سراً في 2001 تاريخ مع الإرهاب لم تكن القاعدة أو أي جماعة متأسلمة قد أعلنت نفسها بعد في عداء مع العالم خلال فترة بداية التسعينات ولكن فترة إقامة بن لادن في السودان كانت حاسمة بالنسبة لهيكلة التنظيم وأدلجته وحرفه باتجاه التطرف. أشارت وثائق قضائية، استند عليها قاضي محكمة نيويورك الفيدرالية العام الماضي إلى تورط إيران في عدد من مراحل تنفيذ هجمات 11 سبتمبر قبل أعوام عديدة من وقوع التنفيذ وبدأت الحكاية في العام 1993حيث اجتمع أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق وأيمن الظواهري مع عماد مغنية ومسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى للتعاون المشترك ودعم الإرهاب وكان تنظيم القاعدة حينها لم يصبح بعد منبوذ دولياً ولم يكن قد تعرف بعد على العمليات الانتحارية التي كانت ابتكار يساري/ ياباني بامتياز لا يمت بصلة لتعاليم الإسلام أخذته إيران عن الحركات اليسارية ونقلته لتنظيم القاعدة حيث كانت جميع العمليات الإرهابية التي تحصل ضد المصالح الغربية في المنطقة حتى قيام هجمات 11 سبتمبر عليها بصمات إيران ففي 30 أكتوبر عام 1980، قامت أول عملية انتحارية في المنطقة ونفذها صبي إيراني يبلغ من العمر 13 عاماً، حيث هاجم دبابة عراقية في مدينة خرمشهر جنوب غرب إيران، بعد أن لف قنبلة يدوية على وسطه، وتسلل تحت الدبابة وتسببت العملية الانتحارية في إعطابها، وفي العام 1983 تم تفجير السفارة الأميركية في بيروت والذي أدى إلى مقتل 63 أميركياً وفي العام ذاته، قام إيراني الجنسية إسماعيل عسكري، الذي ينتمي للحرس الثوري، بتنفيذ عملية انتحارية في بيروت دبرتها إيران، على مقر مشاة البحرية الأمريكية، أسفر عنها مقتل 241 وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأمريكان كما فجرت القوات الإيرانية، مقر القوات الفرنسية في بيروت من قبل "حزب الله"، بالتزامن مع تفجير مقر القوات الأمريكية الذي نجم عنه مقتل 64 فرنسيًا مدنيًا وعسكريًا. وفي عام 1985م قام النظام الإيراني بتدبير عملية اختطاف طائرة خطوط (( TWA)) واحتجاز 39 راكبًا أمريكيًا على متنها لمدة أسابيع وقتل أحد أفراد البحرية الأمريكية فيها وفي العام 1994م، تورطت إيران في تفجيرات بيونس آيرس الذي أسفرت عن مقتل أكثر من 85 شخصاً، وإصابة نحو 300 آخرين، وفي عام 2003م اعتقلت الشرطة البريطانية هادي بور السفير الإيراني السابق في الأرجنتين بتهمة ضلوعه في تنفيذ الهجوم إضافة إلى تفجير الخبر وتفجيرات الرياض وعدد من حالات الاغتيال لدبلوماسيين ومواطنين أمريكيين لا يمكن حصرها. مهندس الموت حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر بقي عماد مغنية وهو رجل إيران الأول في المنطقة أكثر المطلوبين من قبل الولاياتالمتحدة مقابل مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يسلمه، وبمساعدة إيران قام ببناء علاقة عالمية بين الميليشيات المسلحة ودفعها نحو العمليات الإرهابية فكانت الطريق إلى 11/9 معبدة بأيدي مغنية الذي عرّف أسامة بن لادن على الابتكار الخميني وهو العمليات الانتحارية. ومما كشفت عنه وثائق محكمة نيويورك المتعلقة بضلوع إيران في هجمات سبتمبر أسماء لكبار الشخصيات في تنظيم القاعدة كانت بدايتهم في معسكرات "حزب الله" المدعوم إيرانياً وأهمهم الإرهابي سيف العدل، الذي أصبح لاحقاً الرجل الثالث في "القاعدة" وقائد التنظيم العسكري حيث تلقى أولى تدريباته على أيدي قادة إيرانيين في لبنانوإيران. كما تدرب الكثير من رجال بن لادن على يد رجال الحرس الثوري الإيراني بإشراف محمد باقر ذو القادر في مراكز تدريب خاضعة تماماً للحرس الثوري الإيراني. وكان أكثر ما دفع محكمة نيويورك إلى تحريك هذه القضية هو وجود مؤشرات تؤكد أن نجاح عملية 11 سبتمبر لم يكن ليحصل لولا الدعم الإيراني وخاصة تسهيل عمليات تنقل إرهابيي القاعدة التي كانت إيران عرابتها حيث سافر هؤلاء عبر إيران في طريقهم من وإلى أفغانستان، مستفيدين من عدم وضع أختام في إيران على جوازات سفرهم فلا يسهل تتبع حركتهم، حيث سهلت إيران انتقال أعضاء "القاعدة" من وإلى أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر. وكان بعض من هؤلاء العملاء الذين مروا واحتموا في إيران من الذين نفذوا عمليات 11 سبتمبر فيما بعد عدا عن الدعم اللوجستي والمادي والعسكري وتأمين الملاذ بصورة دائمة لقيادات القاعدة على الأراضي الإيرانية بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر. كما كشفت تقارير محكمة نيويورك أن رمزي بن الشيبة الذي وصفه تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر ب«المنسق» لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، التقى مراراً وتكراراً بمحمد عطا مختطف الطائرة في الكثير من المدن الأوروبية في بداية 2001 ثم سافر إلى أفغانستان لتقديم تقرير متابعة من فريق العمليات إلى أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري وكل هذا تم بتسهيل من السفارة الإيرانية في لندن ليحصل بعدها بحسب - مذكرة الاستخبارات الألمانية - على تأشيرة من السفارة الإيرانية في برلين ليسافر إلى أمستردام ثم إلى إيران في 31 يناير 2001. كيف تحرّك إيران القاعدة أقسم مؤسس الثورة الإيرانية الخميني ذات يوم بأنه «قد يتنازل عن القدس، ويتسامح مع صدام حسين، ولكنه لن يسامح السعودية» أما تنظيم القاعدة الإرهابي فأعلن عند تأسيسه عام 1988 ان المملكة هدف رئيسي لنشاطه الإرهابي حيث يعتبر كل من الحرس الثوري الإيراني وتنظيم القاعدة المملكة العقبة الوحيدة التي تحول بين مشروع الولي الفقيه ومشروع القاعدة المصدر للإرهاب وقيادة العالم الإسلامي بعوامل القوة التي تملكها المملكة من شعب ومعتاد على نمط كريم من المعيشة، وغير معتاد تاريخياً على حياة الفوضى والخراب والعنف، وقيادة لا تتوقف عن التطوير والتحديث مبتعدةً عن الشعارات والوعود الكبرى والبالية مكتفية بالأفعال التي يتحدث عنها العالم في حينها، إضافة إلى تحالفات سعودية قوية تجعل المساس بأمن المملكة مساساً بمصالح الحلفاء الذين لا يعتبرون المملكة ثقلاً عربياً فحسب بل ثقلاً إسلامياً عالمياً لا ينافسها على هذا الدور أحد. كان أول ما خطر في ذهن المنظومة الإيرانية - القاعدية هو ضرب الاستقرار السعودي بشبان مغفلين واستهداف أمريكا بأدوات سعودية لخلق شرخ - لم يحصل - بل زاد مع السنين قوة العلاقات السعودية - الأميركية ولم يزد إيران إلا عزلة والقاعدة إلا انحساراً ففي حين صار عدد الطلبة السعوديين وحدهم -عدا عن رجال الأعمال والعائلات والمستثمرين والمرضى- 88 ألف طالب سعودي في الولاياتالمتحدة الأميركية بينما يمنع المواطن الإيراني اليوم من الحصول على تأشيرة أميركية كما يمنع الطالب الإيراني الذي يدرس في أميركا من العودة والعمل لصالح نظام طهران ومؤسساته وإلا فإنه يمنع من دخول أميركا مجدداً لذلك هناك عزوف عند معظم الخبراتالإيرانية في أميركا عن العودة لإيران. بعد أحداث الربيع العربي وبالتحديد في المناطق ذات التنوع الطائفي، اصطفت إيران اصطفافاً طائفياً واضحاً في عدد من الدول العربية مدمرة البنية الاجتماعية بدعمها أطرافاً متطرفة بعد ادعاءاتها الكاذبة في الماضي دفاعها عن قضايا المسلمين وفي مقدمتها قضية الفلسطينيين التي قتلت منهم ميليشيات إيران في سورية وحدها الآلاف فأصبحت مهمة خداع إيران للشباب العربي بعد خلقها للشرخ الطائفي في المنطقة أكثر صعوبة فلجأت إلى الأصدقاء القدامى في تنظيم القاعدة لتعيد نشر نفوذها والترويج لنفسها على أنها محاربة للإرهاب وأهون الشرين أمام المجتمع الدولي فكانت أول خطوة لمنظومة إيران في سورية هي إطلاق سراح أهم السجناء الإرهابيين في دمشق وإرسالهم إلى ساحات القتال وفي مقدمتهم الجولاني زعيم تنظيم القاعدة في سورية حالياً والذي كان في سجون الأسد والذي بسبب تنظيمه تم القضاء على أي نواة أسست لجيش سوري معتدل وشرعي قادر على الدفاع عن الشعب السوري. بعد انحسار نجم تنظيم داعش وسقوط عاصمتيه الرقة والموصل وتعريته دولياً باتت ميليشيات إيران بحاجة لذريعة وفزّاعة جديدة تخوف بها العالم لتستمر بمحاولات نشر ايديولوجيتها المتطرفة وهي إعادة إحياء تنظيم القاعدة حيث نشر تسجيل في النصف الأول من العام الحالي منسوب لحمزة بن لادن واعتبر هذا التسجيل بمثابة استعداد من تنظيم القاعدة لانتهاء دور داعش للعودة إلى الواجهة ووصفت لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية "سابراك" في تقرير أصدرته حول التسجيل بأن مراقبين لنشاط تنظيم القاعدة، رأوا بأن التسجيل الأخير لحمزة بن لادن عبارة عن "إشارات لاستمرار الرعاية الإيرانية لنجل بن لادن بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث استضافت طهران حمزة بن لادن ووفرت له الأمن والحماية وفقاً لعدد من وكالات الاستخبارات العالمية.. كما كان من ضمن الرسائل ال 113 التي كتبت بخط يد أسامة بن لادن، ورفعت المخابرات الأمريكية السرية عنها في 16 مارس ال 2016 تتضمن "توجيهات في كيفية تعامل تنظيم القاعدة مع إيران، حيث ذكر بن لادن في الرسائل بأن إيران هي المسؤول الأول عن تنقلات رجالهم ودار سر معلوماتهم ورهائنهم وأوصى كذلك بعدم تشكيل جبهات ضدها مما يؤكد قوة الروابط بين تنظيم القاعدة والنظام الإيراني". ومما سربته وكالات غربية وجهات استخباراتية يتبين أن حمزة بن لادن، حظي منذ مغادرته ووالده وبعض أفراد أسرته أفغانستان، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، برعاية أجهزة المخابرات الإيرانية إلى جانب بعض قياديي القاعدة اهتمام ورعاية خاصة إذ رأت فيه إيران الأمل الوحيد لإعادة التنظيم الإرهابي إلى سابق عهده.