بعد إعلان البنك الفرنسي عن اكتشاف عمليات غير نظامية نشرت صحف وقنوات تلفزيونية تعليقات لبعض الكتاب ومع ثقتي بحرص الجميع على المصلحة العامة الا ان التوجة العام بالغ بتعميم المشكلة على النظام المصرفي ووجه انتقاداً للدور الإشرافي لمؤسسة النقد لعدم اكتشاف ومنع تلك العمليات المخالفة وكذلك التقليل من فعالية لجان مجالس الإدارة وهو ما لم يكن في محله برأيي كمصرفي متخصص في الرقابة الداخلية حيث قفزت تلك الاستنتاجات على نتائج التحقيقات الجارية واغفلت عدداً من الحقائق المهمة وهو ما يستدعي التوضيح. أولا: يخطئ كثيرون بإعتقادهم أن اتباع اقوى انظمة الرقابة والالتزام وادق معايير تقييم المخاطر يمكنه منع وقوع المخالفات المالية سواء كانت احتيالا او فسادا والحقيقية ان جميع الدراسات والتجارب الدولية تقول انه لا يمكن للانظمة الرقابية مهما كانت قوية ان تمنع جميع التجاوزات ولكنها تجعلها اكثر صعوبة وبالتالي فإن الدور الرقابي والاشرافي القوي من مؤسسة النقد او حتى لجان مجلس الادارة لا يمكنه بالضرورة منع او اكتشاف تلك التجاوزات فضلاً عن ان هذه الحالات لا تدل جزماً على وجود ضعف اشرافي فالنظام المصرفي السعودي متطور من الناحية الرقابية والشواهد على ذلك كثيره كما ان الحوادث المشابهه لقضية البنك الفرنسي كثيرة في بيئات مصرفية عالمية عريقه وذات سمعة رقابية عاليه واخرها قضية بنك ويلس فارقو الشهيرة في امريكا. ثانياً: يعتمد الاطار الرقابي في القطاعات المالية بشكل اساسي على الصلاحيات الممنوحه للمختصين والذي يعتمد على الامانة الشخصية والمسؤولية المهنية بالدرجة الاولى وقد بينت درسات وابحاث دولية حديثة بأن حجم وصعوبة اكتشاف المخالفات يزيد 11 ضعف مع ارتفاع السلم الوظيفي لمرتكب المخالفة. ثالثاً: القول بأنه كان على مؤسسة النقد اكتشاف العمليات المخالفة غير صحيح ويتعارض مع مبادىء منظومة الرقابة على القطاعات المالية في المملكة والعالم حيث أن مؤسسة النقد جهه اشرافية لا تقوم بمراقبة العمليات المالية بشكل مباشر والتي يقدر عددها الكلي في اليوم الواحد بين 3 الى 10 ملايين عملية تقريباً للبنك الواحد. رابعاً: رغم أهمية وخطورة القضية وأهمية مكافحة هذه التجاوزات إلا ان هذا النوع من التحديات المالية يحدث بإستمرار في العالم حيث بينت تقارير سابقة للجمعة الامريكية (ACFE) ان الخسائر التقديرية السنوية لعمليات الاحتيال والفساد في العالم تصل الى 3.5 ترليونات دولار في العام وهو ما يعادل 5 % من حجم التجارة العالمية السنوية. وقد طمأن محافظ مؤسسة النقد الدكتور أحمد الخليفي المتابعين في تصريحات صحفية القطاع؛ مبيناً بأن الأثر المالي للقضية محدود ولا يهدد ودائع واستثمارات العملاء وعليه فإنه من المهم الابتعاد عن الاحكام وانتظار نتائج التحقيق التي ستنعكس مستقبلاً على تحسين المعايير المهنية ومستوى الشفافية والحزم في مكافحة هذه التجاوزات اذا ما تبين انها ارتكبت بقصد المنفعة او الإضرار بالبنك والأخرين.