الحضور السعودي اللافت لم يأت من العدم بل من خلال مراحل تراكمية وهي التي تبادر لملء الفراغ رغم العراقيل وتسعى بكل ما تستطيع لمواجهة التحديات رغم العوائق النشاط الدبلوماسي السعودي يعكس ملمحا لنهج السياسة الخارجية في عهد الملك سلمان وعنوانا واضحا لما تقوم به بلاده من أدوار وجهود. زيارة ملكية لروسيا لم تكن بمعزل عما يدور في الساحة الدولية فضلا عن تداعيات ما يحدث في المنطقة، ما جعلها تكتسب أهمية خاصة في توقيتها وطبيعة ملفاتها. الزيارة ركزت على حلحلة الملفات العالقة ودفعها باتجاه الانفراج السياسي. الحضور السعودي اللافت لم يأت من العدم بل من خلال مراحل تراكمية وهي التي تبادر لملء الفراغ رغم العراقيل وتسعى بكل ما تستطيع لمواجهة التحديات رغم العوائق. صارت توجهات السياسة السعودية الخارجية ترتكز على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي مع دول العالم، وتربطها صداقات مع الجميع منطلقة من مفاهيم الاعتدال والعقلانية، ما شكل لها نموذجا في فكرها السياسي جنّبها التورط في التجاذبات الدولية. أضف الى ذلك السعودية ضمن دول مجموعة العشرين وعضويتها فيها ومشاركتها في اجتماعاتها السنوية يعكس اعترافاً بدورها في وضع سياسات وصياغات اقتصادية مؤثرة. السعودية تعتقد انه لا يمكن الفصل ما بين النمو الاقتصادي والتنمية من جهة والملف السياسي والاستقرار من جهة أخرى كونهما متداخلين. بات واضحا أن الظرف والحالة الراهنة والتوقيت تقتضي بالضرورة طرح معالجة الملفات الملتهبة على الطاولة الدولية لأنه لا تنمية بدون استقرار سياسي. الزيارة عكست ترحيبا رسميا وشعبيا واهتماما كبيرا بما تضمنه تصريحات الملك سلمان. صبت نتائج الزيارة في مصلحة الطرفين وما يخدم استقرار المنطقة حيث دشنت مرحلة متقدمة في التقارب السعودي الروسي فما يجمع الرياضوموسكو هو أكثر بكثير من نقاط الاختلاف. تبين ان موسكو ترى في الرياض بثقلها السياسي والاقتصادي وعمقها الإسلامي نقطة انطلاقة رئيسية لعلاقاتها مع دول المنطقة. اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا امر طبيعي في مفهوم العلاقات السياسية والسعودية من هذه الزاوية تتفق مع روسيا على الرؤية الاستراتيجية لحل الملفات العالقة بالمنطقة والتباينات لا تؤثر على المحصلة النهائية. قد نتفق مع الروس وقد نختلف معهم الا انهم واضحون فإذا قطعوا عهدا يلتزمون به. روسيا استردت توهجها ونفوذها فالرئيس بوتين أعاد صياغة الأهداف الجديدة للسياسة الروسية وفق مسار له طابع قومي استعاد به الحضور والنفوذ والسيطرة التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي ابان مرحلة الحرب الباردة. التعاطي الروسي مع منطقة الشرق الأوسط استند الى استراتيجية محددة تبدأ بمشاغبة وإنهاك واشنطن بمزاحمتها في المنطقة ليخدمها في إعادة تشكيل موازين القوى في النظام الدولي الجديد والتركيز على المصالح الاقتصادية لان العنصر الأيديولوجي لم يعد موجودا والاستفادة من المناطق المحسوبة عليها في الشرق الأوسط لأن موسكو تعتقد انه لا يمكن بلورة نظام عالمي بعيدا عن تلك المنطقة التي هي مركز التوازنات الدولية او لنقل قلب العالم. العالم يتعرض لتحديات جسيمة ومخاطر عديدة ما قد يعرض أمنه واستقراره وربما وجوده للخطر. ليس سرا ان هناك صراعا بين الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا حول مناطق النفوذ في العالم كالشرق الاوسط واميركا اللاتينية ومنطقة القوقاز ونشهد عودة الحرب الباردة بين القطبين ومع ذلك التعاون ما بين موسكووواشنطن لا زال يمثل حاجة دولية. السعودية ترى ان على الدول العظمى ان تُعيد صياغة سياساتها في المنطقة بما يخدم استقرارها والبدء بحل المشكلات المزمنة العالقة كالقضية الفلسطينية والأزمة السورية وغيرها، لأنه في الحقيقة بقاء تلك القضايا دون حل ناجع سيجعلها ذريعة وبالتالي تُستغل لإدامة التوتر وعدم الاستقرار في منطقتنا. كانت الزيارة الملكية تاريخية واستثنائية بحق والروس لا ينفكون يؤكدون سعيهم لتعزيز العلاقة مع السعودية ويرون أن مستقبل هذه العلاقة في تصاعد خصوصا ان المقومات لكلا البلدين قادرة على الدفع بهذا الاتجاه. تبين بعد الزيارة ان الشراكة مع الروس هو توجه جديد للبوصلة السعودية حيث توليه كل اهتمام وثمة تقدير للأدوار التي تلعبها السياسة الروسية الداعمة للمواقف العربية. صفوة القول: السعودية تسعى لاحتواء الأزمات بدليل زيارة الملك سلمان لموسكو ولاحقا لواشنطن لتعكس مكانة المملكة ما يجعلها رقماً لا يمكن تجاوزه في معادلات المنطقة ولاعباً أساسياً في الساحة الدولية.