لروسيا مكانة سياسية واقتصادية، في عالم متشابك سياسياً واقتصادياً وامنياً، وروسيا تظل الأقرب إلى تفكير الشرق الأوسط، والأكثر قدرة على بناء التعاون، ولروسيا تجربة قوية في إعادة البناء، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولدت روسيا من جديد. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يعد واحداً من الأعلام الروس ممن أسهموا في إعادة المجد الروسي إلى الساحة السياسية والاقتصادية الدولية، فبعد أن كانت روسيا دولة مدينة للعالم أصبحت دولة تتكئ على ثروات هائلة وطائلة، ووجهة للاستثمارات، بفعل الأمن والاستقرار، فقد تخلت موسكو عن الماضي الأيديولوجي والبيروقراطي، وانفتحت على العالم الرأسمالي. وعليه جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- إلى روسيا ولقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمن المضامين أعلاه، فروسيا عضو فاعل في مجلس الأمن الدولي، وأثبتت مع الأحداث صدقية ومسؤولية واتزان في سلوكها السياسي والاقتصادي، ولهذا تقرأ الزيارة من هذه الأبواب الرئيسة، فالسعودية أيضاً دولة قائدة إقليمياً ومؤثرة سياسياً، ولها حضورها الاقتصادي العالمي، والطرفان شركاء في السياسة والأمن والاقتصاد. الزيارة تطرقت إلى العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وركزت بشكل خاص على قضايا التعاون الثنائي وتعزيزه، ودعم الشراكة بين البلدين، وتفعيل وتطوير التعاون في مختلف المجالات مثل المؤسسات المشتركة، ومجلس الأعمال السعودي الروسي، وإيجاد آليات يُمكن أن تُسهم في القضايا الإستراتيجية والاقتصادية، والتجارية والاستثمار في التقنية والمعرفة، والطاقة والنفط والصناعات النووية السلمية. هذا الزيارة اعتبرها محللون سياسيون واقتصاديون بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وستفتح آفاقاً كبيرة لمصالح المملكة في كل المجالات السياسية، والاقتصادية، إذ إن روسيا دولة عملاقة وناهضة اقتصادياً، وتمتلك إمكانات عظيمة في مختلف المجالات، وترغب في خلق علاقات حميمة وقوية مع المملكة، لأن السعودية لاعب مهم، ومحور مؤثر في المنطقة والعالم، ولذلك ستحصل روسيا على الكثير من مصالحها بسهولة ويسر، وستعمل بكل جهد على تنمية علاقتها مع السعودية. المنتدى الاقتصادي الدولي الذي استضافته مدينة سان بطرسبرغ، حظي باهتمام عالمي كبير خرجت منه المملكة وروسيا باتفاقيات عدة اقتصادية، وسياسية شملت الدفاع، والنفط، والطاقة النووية والفضاء، والإسكان، والاستثمار، وتم فيه الاتفاق بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والصندوق الروسي للاستثمار المباشر، الذي يستثمر ويشارك في استثمارات عملاقة عالمية. هناك مصالح مشتركة كثيرة بين السعودية وروسيا سوف تحقق الطموحات لكلا البلدين، حيث إننا بصدد مرحلة جديدة في العلاقات بين الرياضوموسكو ستسهم هذه العلاقات في تحقيق الاستقرار الإستراتيجي في المنطقة والعالم، وخاصة في هذا الوقت، ويمكن القول إن نتائج هذه الزيارة تُعد قياسية في تقديم المزيد من الفرص، للتقارب بين البلدين بثقلهما الكبير في الساحة الإقليمية والدولية، وتأثيرهما في صنع القرارات. فالثقل الكبير للمملكة وروسيا، وكونهما قوة إقليمية ودولية هائلة، وأنهما من خلال التقارب، وتطوير هذه الشراكة، سيفتحان سبل التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب، وسيكون لهما حضور أكبر في حل الأزمات، حيث إن المملكة وروسيا بلدان مؤثران في منطقة الشرق الأوسط، الذي يعاني من مشكلات عديدة وكساد، وبط اقتصادي، مما يعني أن تقارب البلدين مع بعضهما يمكن أن يشكّل خطوات جيدة في حل العديد من الملفات العالقة والشائكة في المنطقة والعالم. إن قراءتنا لمحتوى زيارة ولي ولي العهد، وما نشر من تصريحات واتفاقيات بين الجانبين، يؤكد للعالم أن سياسة المملكة ثابتة، ومتزنة ودينامية مع جميع الدول المحبة للسلام، ودائماً تسعى إلى بناء تحالفات جديدة تخدم مصالحها، والعالم العربي والإسلامي والدولي، وهو ما يغلق الطريق أمام المشككين في علاقات المملكة المتميزة مع الغرب، ورغبة المملكة في تنويع علاقات التعاون بينها وبين أي بلد في العالم في مجال الاقتصاد والأمن، والنفط والطاقة، والخروج بأكبر النتائج الممكنة لصالح الوطن والمواطن.