في الآونة الأخيرة ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح المعلوماتي أصبح بمقدور الفرد الوصول للمعلومة ونشرها في ثوانٍ معدودة بغض النظر عن صحة هذه المعلومة ودقتها ومدى نفعها وملائمتها، وظهر الغث والسمين فهذه تروج لخلطة تعالج السرطان وهذا ينشر علاجا لمرض السكر وذاك ينصح بمعالج يستطيع علاج الجلطات الدماغية وآثارها والأدهى والأمر هو التشكيك في العلاجات المثبتة بالأدلة العلمية كعلاج السرطان الكيميائي ولغيره من الأمراض فيكفي أن يبدأ المنشور الواتسابي ب "ذكر البروفيسور مارك توين أن العلاج النهائي للسكر يكمن في ..." حتى يصدقه وينتشر على نطاق واسع بدافع إفادة الناس وطلباً للأجر فتنتشر كالنار في الهشيم فتنحر بذلك أبسط مقومات الطب الحديث المبني على البراهين. البعض يبرر بأن العلاجات الشعبية إذا لم تنفع فلن تضر، وأن شركات الأدوية والأطباء يريدون الثراء بعدم كشف مثل هذه العلاجات التي ستكسد تجارتهم! وربما لم يدركوا أن الأدوية والعلاجات تمر بمراحل عدة من البحث والتقصي الدقيقة لإدراجها ضمن العلاجات الموصى بها لعلاج هذا المرض أوذاك بل حتى بعد إدراجها تستمر متابعتها ومتابعة آثارها الجانبية إلى أن يتم التأكد بشكل قطعي من فعاليتها ومحدودية آثارها الجانبية ويتناسى أو يغفل الكثير بأن الأطباء والباحثين في مجالات الطب بشر لديهم عائلات من ضمنهم مرضى ولن يتوانوا في تقديم أفضل النصائح لهم! طب "الواتس آب" نحر المنهج الطبي المبني على الأدلة وأسس التشخيص والعلاج الأولية ففي كليات الطب وخصوصاً في المراحل الإكلينيكية ترسخ أهمية أخذ التاريخ المرضي من المريض والفحص السريري لما لها من أهمية كبيرة في التشخيص الدقيق للحالة بل في كثير من الأحيان تكون أهم خطوات تحديد العلاج من تدخل جراحي أو دوائي قبل أن تطلب التحاليل والأشعة فلكل مرض أعراض وعلامات من خلالها يمكن للطبيب حصر التشخيص من خلالها ويختلف العلاج الموصوف لمريض عن آخر بناءً على هذه المعطيات وإن تشابه التشخيص فيكاد يكون من النادر وجود علاج واحد للمرض. وفي إطار آخر وبغرض التثقيف والتوعية للأسف يتسابق كثير من الأطباء وأخصائيي التغذية والباحثين في المجال الطبي لنشر معلومات وآراء شخصية أو نتائج لدراسات أولية لم تبنَ عليها توصيات المراجع العلمية الموثوقة فيتلقفها العامة -ولا ألومهم- ويتبنونها وكأن لها حصانة لأن من قال بها طبيب! الحل يكمن في أن تقوم وزارة الصحة -كما قامت بمنع نشر وتصوير العمليات الجراحية والطبية المختلفة بغرض التسويق والدعاية وتغريم من يخالف بدون تصريح- بمراجعة المعلومات الصحية المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتغريم من يثبت نشره للمعلومات المغلوطة بل وحتى تجريمها وإضافتها لقائمة الجرائم المعلوماتية وإنشاء مركز متخصص في تفنيد الادعاءات والمعلومات الطبية وتمييز الصالح منها ورد الطالح ونشر نتائجها للناس. وفي المقابل فإن وزارة التعليم يجب أن تكرس عبر مناهجها في جميع مراحل التعليم العام مبادئ التفكير النقدي وآليات التحقق من جودة المعلومة وتوجيه الطلاب لمصادر المعلومات الموثوقة فبذلك نكون قد أسسنا جيل لا يصدق كل ما يسمع ويقرأ إلا بعد أن يقيم المعلومة ويتأكد. *أستاذ طب المجتمع المساعد بكلية الطب - جامعة الباحة