باتت وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية في الآونة الأخيرة تلعب دوراً كبيراً في تداول المعلومات الطبية، وساعدت في نقل مهنة الطب من الغرف المغلقة إلى الفضاء الإلكتروني، كما ساهمت أيضاً في نشر التوعية الصحية في حال تفعيلها بالشكل المطلوب من قبل الأطباء المختصين. وعلى الرغم من أهمية نشر المعلومات وتداولها بين العامة، وتعزيز جوانب الوعي والتثقيف الصحي في المجتمع، إلاّ أن استغلالها من قبل البعض لنشر الأخبار المضللة والترويج لبعض الخلطات العشبية والمكملات الغذائية، يلحق الضرر بصحة أفراد المجتمع، كما أن كثيراً مما يطرح ويتم تداوله من معلومات طبية غير صحيحة ومغلوطة وارتجالية، ولا تستند إلى مصادر موثوقة، وتدار من قبل غير المتخصصين في المجال الطبي، إلى جانب أن البعض جعلها وسيلة وهدفاً لنشرها والمتاجرة بها للتسويق التجاري، والمنافسة بين الشركات الطبية وضرب ومحاربة الخصوم وتشويه سمعتهم. وفي ظل ما نلاحظه من كثرة المواقع الطبية الالكترونية وانتشار المعلومات الصحية المغلوطة في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الحاجة تستدعي إلى تكثيف جهود الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي في المملكة، وتشديد الرقابة عليهم، وإدراجها ضمن الجرائم المعلوماتية التي يحاسب عليها القانون، للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، كما أنه من المهم توفير معلومات طبية سلسة وسهلة وتقديمها بمختلف الطرق السمعية والبصرية للأشخاص المحتاجين لها. "الرياض" تُناقش مع عدد من المختصين خطر انتشار تداول المعلومات الطبية المغلوطة وغير الموثوقة، التي تبث بين الحين والآخر عبر أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية. انشر تؤجر أوضح د. خالد النمر -استشاري أمراض القلب- أن كم المعلومات الخاطئة في مجال الطب بالعالم عالٍ جداً، مضيفاً أن الشخص المثقف والواعي يستطيع معرفة ما يختار ولا يأخذ المعلومة إلاّ من مصادرها الموثوقة، مبيناً أن أثر المعلومة الطبية الخاطئة كبير جداً على الصحة، ما يدعو إلى أهمية تعزيز الوعي الصحي لمحاربتها، موضحاً أن هناك مستفيدون منها ولهم منافع ومصالح لنشرها سواء في مجال التسويق التجاري أو بهدف ضرب ومحاربة الخصوم وتشويه السمعة، مُقدماً عدداً من النصائح والتوجيهات وهي أن يبدأ الإنسان بنفسه ومن حوله وأن يعمل على تثقفهم صحياً، إضافةً إلى أن يقرأ الإنسان المعلومات الصحية الصحيحة وأن يتابع شخصاً يثقف به على أن يكون مختصاً في المجال الطبي، مشدداً على أهمية عدم الأخذ من المعلومات الواردة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ك"الواتساب" و"تويتر"، بل من المعلومات الطبية لوزارة الصحة، ومن المصادر الرئيسة لها، محذراً من نشر أي رسالة أو معلومة طبية لا يعرف مصدرها خصوصاً التي تأتي بصيغة "انشر تؤجر" و"لا تحرم الآخرين من الفائدة"، وأن هذه الطرق من الرسائل أصبحت تأتي بكم هائل، في ظل عدم معرفة مصدرها ومدى صحتها. مسؤولية اجتماعية وشدد د. النمر على ضرورة تكثيف المسؤولين في المجال الصحي بالمملكة سواء كانوا أساتذة في الكليات الطبية أو مسؤولين في الجهات الحكومية جهودهم من أجل تقديم المعلومة الطبية الصحيحة، من خلال تعزيز جوانب المسؤولية الاجتماعية والتثقيف والتوعية الصحية في المجتمع، مطالباً الجهات المسؤولة بتوفر معلومات طبية سلسة، على أن تقدم بسهولة على مدار الساعة وبمختلف الطرق السمعية أو البصرية للأشخاص المحتاجين لها، في ظل أن نصف المعلومات الطبية في مواقع التواصل الاجتماعي علمياً غير صحيحة، مشيراً إلى أنه تأتيه رسائل يومية عبر برنامج "الواتساب" يسألون الناس من خلالها عن مدى صحتها قبل إرسالها للعامة، مقدماً لولائك باقة وردة شكر وتقدير لعلمهم وحكمتهم في نشر المعلومة الطبية الصحيحة. مجهولة المصدر من جهته قال د. عبدالله القبلان -استشاري أمراض السكري بمستشفى الملك فهد التخصصي بالقصيم-: إنه كثر في الآونة الأخيرة تداول المعلومات الطبية من مواقع التواصل الاجتماعي مجهولة المصدر وغير الدقيقة، مؤكداً على أن كل إنسان يضع معلومات أو تجارب شخصية قد تنجح وقد لا تنجح ويريد تعميمها على بقية الناس، مضيفاً أن في هذا مخاطر كبيرة جداً، وذلك كما رأينا في المستشفيات والعيادات من مراجعين تركوا الدواء الطبي المعروف ولجأوا لأدوية أو أعشاب غير معروفة وحصل معهم مضاعفات كبيرة ربما بعد فوات الأوان، مبيناً أنه لا يخفى على الكثير أن المعلومة الطبية الدقيقة تمر بمراحل وبمجامع طبية كثيرة ويتم دراسة العلاج ومأمونيته من جهات متعددة، وقد يستغرق هذا الموضوع سنوات طويلة حتى يقر العلاج ويعرف بالمستشفيات، مشيراً إلى أن هذه المنظمات والجمعيات العلمية معروفة ومصرحة رسمياً من قبل الدول ومن ذلك جمعية الغذاء والدواء الأمريكية بالإضافة إلى الجمعية الأوربية وغيرها الكثير من المنظمات والجمعيات التي تعرف عند أهل الاختصاص، ذاكراً أنه إذا تم موافقة هذه الهيئة على دواء أو تقنية طبية معينة، فإنها تكون غالباً مأمونة المضاعفات الجانبية، وكذلك أن لها أثر في العلاج والشفاء من الأمراض، ناصحاً الجميع بتوخي الدقة في اختيار مصدر المعلومة الطبية، والتأكد من المصدر وعدم الاستعجال في نشر معلومات أو تمرير برودكاستات أو سنابات عن فاعلية دواء معين من غير تمحيص وتدقيق. توعية وتثقيف وأوضح د. القبلان أنه وبحكم تخصصه في أمراض السكري يشاهد بشكل ملحوظ مريضاً ذهب لعلاج جروح القدم السكرية من مصادر غير معروفة وترك العلاج الطبي، استعجالاً للنتائج فحصل ما لا يحمد عقباه ودخل في تسمم وربما أحياناً إلى بتر طرف أو قدم، وأحياناً الوفاة، لافتاً إلى أن من الحلول لهذا الأمر تدخل الجهات الرسمية ومنع الاتجار بالمعلومات الطبية ومحاسبة المتسبب في ذلك، وأن يكون ضمن الجرائم المعلوماتية التي يحاسب عليها القانون، ذاكراً أنها كم أهلكت من إنسان أو أدت إلى فقدان حواسه أو أعضائه، مشدداً على أهمية رفع الوعي لدى العامة عن طريق زيادة برامج التوعية والتثقيف الصحية، فإذا انتشرت المعلومة الصحيحة غابت المعلومة المغلوطة والشاذة. آثار خطيرة وأكد د. عبدالقادر الجهني -مختص في طب الأطفال والتعليم الطبي ومهتم بالتثقيف الصحي- على أن البحث عن المحافظة على الصحة وعلى علاج الأمراض هاجس الإنسان منذ القدم، وكما يقال "الغريق يتعلق بقشة"، مبيناً أن هذا قد يفسر الانتشار الكبير لكل ما له علاقة بالصحة من مقاطع ونشرات ورسائل وغيرها، لافتاً إلى أن موضوع صحة المعلومة وتوثيقها يبقى واجباً مهماً على المرسل وعلى المتلقي، موضحاً أن كثير من الرسائل المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي غير صحيحة أو غير دقيقة، ولبعضها آثار صحية خطيرة على الصحة، ذاكراً أن كثير من المضاعفات حصلت بسبب الوصفات الخاطئة والخلطات الغريبة والتدخلات الخطيرة على المفاصل مثلاً، وأدى بعضها إلى فشل الكلى أو الكبد أو بتر أحد الأطراف، وأحياناً يتأخر العلاج الطبي بسبب تعلق المريض بأشياء وعلاجات خاطئة، لافتاً إلى أن المتاجرة بالمعلومات الصحية قد تكون دلالاتها نتيجة أمرين: أولهما تقصير المتخصصين في التوعية والتثقيف الصحي، وثانيهما: نقص الوعي بأضرار هذه الممارسات والخلطات، مشدداً على أهمية استقاء المعلومة الطبية من مصادرها الموثوقة سواء في المواقع الرسمية للمراكز الطبية أو الأطباء والمتخصصين، وسؤال ذوي الخبرة في المجال حتى لا يقع الإنسان ضحية المعلومات الخاطئة أو تجار الوهم الذين يبيعون الإنسان سراباً يحسبه المريض علاجاً، إلى جانب متابعتهم من قبل الجهات المختصة وبتعاون المواطنين للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة. د. خالد النمر د. عبدالله القبلان د. عبدالقادر الجهني أدوية وأعشاب وخلطات مجهولة تجد رواجاً كبيراً في مواقع التواصل دون سند علمي وطبي صحيح 51 % من المعلومات الصحية على مواقع التواصل غير صحيحة! أكد د. خالد النمر -استشاري وأستاذ أمراض القلب وقسطرة الشرايين والتصوير النووي والطبقي- إن (51%) من المعلومات الطبية المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي غير صحيحة، مؤكداً على أن الشائعة الطبية المغلوطة لا تأتي من فراغ بل لها أشخاص ووسائل نشر وتستهدف مجتمعاً معيناً، مشيراً إلى أنها تنتشر في المجتمعات التي قد يكون فيها الوعي الصحي والثقافة الطبية منخفضة قليلاً، إلى جانب غياب المعلومة الطبية الصحيحة، موضحاً أنه لا يمكن لوم الآخرين بكثرة الظلام ولكن في المقابل يجب أن نشعل الشمعة لتنويرهم بالمعلومات الطبية الصحيحة قبل اتهامهم بنشر المعلومات الطبية المغلوطة، مبيناً أن المعلومة الطبية غير الصحيحة تنشر بهدف معين سواء كانت حرباً بين الشركات الطبية أو تسويقاً لفئة معينة لممارسة المهنة، كالأطباء الشعبيين الذين ينشرون المعلومات ويسوقون خلطاتهم الخاصة. وأضاف أن الإنسان يبذل الغالي والنفيس من أجل صحته، وإذا علم عن أمر يفيد صحته تجده يستمع إليك ويشتري منك، لافتاً إلى أن بعض المطاعم السريعة أصبحت في الوقت الحاضر تنشر شعارات لجذب أنظار العملاء مثل "غذاؤنا صحة لقلبك" إلاّ أنها في الحقيقة لا تبيع إلاّ الأكل المليء بالدهون، مؤكداً على أنه يجب على الإنسان إذا شاهد معلومة طبية أن يسأل عن مصدرها ومن أين جاءت وما مدى صحتها وما هو المطلوب منه تجاهها، مشدداً على أهمية الرجوع للمختصين للتأكد من صحة المعلومات الواردة.