لم تشهد العاصمة الروسية موسكو استعدادات لاستقبال أي زعيم أو رئيس أجنبي، كتلك التي تشهدها هذه الأيام تحضيراً لاستقبال خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في أول زيارة لعاهل سعودي إلى روسيا منذ إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في العام 1926. فعدا عن رفع لوحات إعلانية ضخمة ترحب بالملك سلمان في مختلف أنحاء العاصمة وعلى الطريق الدائري الذي يلتف حول كامل المدينة، وكذلك على الطريق من المطار الذي ستهبط فيه طائرات الملك والوفد المرافق إلى الكرملين، ووسط موسكو، افتتح في العاصمة موسكو أسبوع الثقافة السعودية في روسيا، لتعريف المواطنين بألوان الثقافة في المملكة والفنون فيها، من رسم ورقص فولكلوري وغناء شعبي وغيرها من إبداعات الثقافة. ويتزامن هذا الأسبوع الثقافي الذي يستمر حتى الثامن من الشهر الجاري، مع أول زيارة للملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى موسكو، ويمكن لزوار الأسبوع الثقافي السعودي الذي يقام في أهم موقع في العاصمة الروسية، وعلى بعد خطوات قليلة من قصر الكرملين، أن يقدروا اللون الثقافي الوطني الفريد لهذا البلد العربي الغني ليس فقط بالنفط، بل وبحضارته العريقة وفنونه الشعبية أيضاً. ويشمل برنامج الحدث الغني عرضاً للأعمال الفنية السعودية، تحت عنوان "المملكة - وجهة نظر من الداخل"، وعرض فرقة الفلكلور مع الموسيقى والرقصات، وعرض أفلام عن المملكة العربية السعودية. تعكس الأعمال تنوع الاتجاهات الفنية في المملكة العربية السعودية، التي حظيت باعتراف واسع النطاق سواء في المنطقة أو على الساحة الدولية. معرض "المملكة - وجهة نظر من الداخل" يوفر لزواره أيضاً إمكانية الوصول إلى المملكة العربية السعودية تقريبياً. ويدعم المعرض جولة افتراضية في المملكة، حيث يمكنك التنقل حول معروضات من كل أنحاء المملكة ومناطقها المتنوعة العابقة برائحة تراث عميق وحضارة ضاربة جذورها في الأرض. وكان وزير الثقافة والإعلام في المملكة، عواد بن صالح العواد، قد أعلن أثناء زيارته لموسكو قبل أسبوعين، أن المملكة أعدت خطة شاملة لتطوير العلاقات بين البلدين في جميع المجالات، مؤكداً أن قيادة المملكة تعتبر زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا "حدثاً تاريخياً يهدف إلى تتويج التطور الديناميكي لعلاقاتنا". ويذكر أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أشار خلال زيارة نظيره الروسي سيرغي لافروف إلى المملكة في 10-11 سبتمبر/ايلول الماضي، إلى أن مواقف المملكة تتطابق ومواقف روسيا ليس فقط في سوريا، بل وفي العراق واليمن وليبيا، وأيضاً في محاربة الإرهاب عموماً، وحينها أعلن لافروف عن عدم وجود "خلافات لا يمكن حلها" بين البلدين. وفي الأثناء، أكدت مصادر مطلعة في الكرملين ل"الرياض" أن المباحثات المنتظرة بين الرئيس فلاديمير بوتين وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، خلال زيارته إلى موسكو تشمل ملفات عديدة على رأسها الحرب في سوريا وإنتاج النفط والتعاون العسكري - التقني بين البلدين. وذكر مصدران دبلوماسيان روسيان ل"الرياض" معلومات متطابقة، تؤكد أن الزيارة الأولى للعاهل السعودي إلى موسكو، ستسفر عن التوقيع على أول صفقة سلاح روسي للمملكة العربية السعودية، تشمل صواريخ "إسكندير" المتطورة المتوسطة المدى، ودبابات من طراز "تي 90" وأنظمة صواريخ مضادة للأهداف الجوية، بقيمة إجمالية تبلغ 3 مليارات وخمسمائة مليون دولار. وكان نائب وزير الدفاع الروسي، الجنرال الكسندر فومين، قد أكد خلال اجتماعه مع نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية، على هامش مؤتمر الأمن الدولى السادس بموسكو الصيف الماضي، أن المملكة ترغب في شراء أكثر المعدات العسكرية الروسية تقدماً. وكشف فومين أن روسيا والمملكة العربية السعودية تعاونتا بشكل ملحوظ على مدى السنتين أو الثلاث سنوات الماضية. وأوضح فومين "لقد حافظنا على تعاون مهم للغاية على مدى العامين الماضيين، ولدينا قائمة طويلة من الطلبات السعودية لأنظمة الأسلحة الأكثر تقدماً." وتعتزم وزارة الدفاع الروسية الحفاظ على التعاون الثنائي في المجالات العسكرية والتقنية مع المملكة العربية السعودية رغم تباين وجهات النظر بين البلدين خاصة في ما يتعلق بمستقبل الأزمة السورية. ولذلك أشار فومين أن موسكو "تأمل في إجراء حوار أكثر انفتاحاً حول كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك مع السعودية. ووقعت السعودية اتفاقاً أولياً لتعاون نووي مع روسيا في 2015. وأعلنت المملكة في الآونة الأخيرة عن خطط لبناء أول مفاعلاتها النووية بقدرة 2.8 غيغاواط. وكشف صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي عن توقيع 9 صفقات استثمارية بين روسيا والسعودية بقيمة مليار دولار في قطاعات مختلفة، تشمل البنية التحتية والبتروكيماويات وقطاعات أخرى. وشهدت العلاقات بين روسيا والسعودية خلال العامين الماضيين منحى تصاعدياً، حيث اتفق البلدان، اللذان يعدان أكبر منتجين للنفط في العالم، على اتخاذ إجراءات مشتركة لبث الاستقرار في سوق الطاقة العالمي. ويعد الاتفاق نقطة مهمة في علاقات البلدين، ولا يقتصر أثره على روسيا والسعودية بل يمتد إلى الأسواق العالمية، حيث أدى الاتفاق إلى انتعاش أسعار النفط في الأسواق العالمية. وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، بلغ حجم التجارة بين البلدين العام الماضي نصف مليار دولار، منها 350 مليون دولار صادرات روسيا إلى السعودية، مقابل واردات بقيمة 150 مليون دولار. وسيكون الملف السوري ومفاوضات أستانا والأزمة الخليجية واتفاق أوبك على رأس الملفات التي سيناقشها الملك سلمان وبوتين في موسكو.