العلاقات السعودية الروسية تاريخية وعميقة، ومتجددة في قراءة المشهد العالمي على أكثر من صعيد سياسي واقتصادي وعسكري، ومتطابقة في فهم أولويات البلدين نحو تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والتعاون الثنائي على أساس المصالح المشتركة، وتحديداً في جوانب الطاقة، والاستثمار. الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين إلى موسكو ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين؛ تمثّل منعطفاً مهماً في مسيرة تلك العلاقة، ويعوّل عليها كثيراً في تعميق الحوار السياسي نحو قضايا المنطقة، ومكافحة الإرهاب، إلى جانب التعاون العسكري التقني، واتفاقية بناء المفاعلات النووية لأغراض سلمية، والتعدين، والإعمار، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات، كذلك الحفاظ على اتفاقية خفض إنتاج النفط بين أوبك والدول المستقلة خارج المنظمة وعلى رأسها روسيا؛ بما يتيح مزيداً من الاستقرار العالمي للأسعار. وجود الملك سلمان في روسيا رسالة جديدة نحو انفتاح السعودية على مصالحها في الخارج، وبناء تحالفات اقتصادية تستطيع أن تنقل علاقة البلدين إلى ما هو أكبر من النفط، حيث يوجد رغبة روسية للاستثمار في المملكة وفق رؤيتها الوطنية الطموحة، والتزام سعودي أن تبقى موسكو حليفاً لها في مشروعات مشتركة مع صندوق الاستثمارات الروسي. المملكة تتحدّث اليوم بلغة المصالح التي تسهم في الناتج المحلي، وتوطين التقنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أساس من الشراكة مع القطاع الخاص في الدول الصديقة، ومنح هامش لتحرك رجال الأعمال في المملكة في كسب علاقات ومصالح جديدة، والتخلي عن ثقافة الاستهلاك التي تنتهي إلى منتجات لا تضيف إلى اقتصاد الوطن ودورته الكلية. روسيا كذلك تنظر إلى المملكة على أنها شريك قوي، وفاعل، ومؤثر على خارطة العلاقات الدولية، ولديها رؤية طموحة تستحق المشاركة والاستثمار فيها، والمضي معها في تبادل محفز للإمكانات، وكسب السوق السعودي في قطاعات واعدة، والدخول فيه بثقة، فضلاً عن الأمن والاستقرار الذي تعيشه المملكة، وهو المحفز الأكبر للمشاركة. الروس لديهم قناعة أيضاً أن التحولات الاقتصادية في المملكة نحو تنويع مصادر الدخل، وخلق بيئة تنافسية لتسهيل تدفق الاستثمارات الأجنبية، ورفع مستوى الخدمات المقدمة، وتعديل أنظمة بيئة العمل، وتراخيص الاستثمار، ورفع كفاءة إنفاذ العقود، واستقطاب الكفاءات العالمية، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، والتنقل والإقامة، وإجراءات الجمارك في المنافذ؛ كل ذلك يمثّل للروس عوامل جذب للشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص. الملك سلمان في روسيا يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقة الاقتصادية بين الرياضوموسكو، ويترك باب الحوار مفتوحاً على الصعيد السياسي؛ لأن ما لدى البلدين من إمكانات أكبر من أن يختزله موقف سياسي هنا أو هناك، وهذا هو الأهم في هذه المرحلة.