يا له من يوم مجيد تأتي به الذكرى وطن، وكأنما هو قد توقف الزمن يعلن للدنا طيب الحضور، سعودي يوشح شبه جزيرة العرب رداء الكرامات في عهد جديد. إنه يوم عيد حين عاد صقر الجزيرة يبني للأمل حصن الوجود في 23 سبتمبر من العام 1932م الذي به نحتفي في كل عام، وعاما بعد عام يأتي بالجديد في دولة النماء المطرد. يوم موعود كان لنا، نسجل للتأريخ فيه القرار أن نكون كما هي المملكة العربية السعودية اليوم تزهو بالأمان، تحث مجتمعاً يحترف البقاء مع الوفاء يجدد النقاء في أخلاق العرب. نزهة الخاطر تكون حين نتأمل هذا الكيان الباذخ العطاء كل كما هي حرفته بحكم التخصص. فقد دأبت قيادتنا الرشيدة، منذ تأسيس الدولة السعودية، على دعم ورعاية الحراك الإبداعي الاجتماعي ضمن آليات المشروع التنموي السعودي الفريد من نوعه. وليس أدل على ذلك من الحضور الشخصي للمغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في عام 1355ه لعرض مسرحي في مدرسة صالح بن صالح الأهلية في عنيزة بما يؤكد على حرص الملك المؤسس، وكل الملوك الصالحين من بعده، وصولاً إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، على الارتقاء بالعنصر الثقافي الفني الحيوي في حياة الدول، وأن يكون للمسرح دوره الفاعل في ترسيخ قيم المجتمع والارتقاء بالفكر والذائقة العامة وبالذات في قطاع التعليم بكل مراحله. وفي تناغم مع مسار النور في رؤية المملكة 2030 التي يأتي الشق الثقافي الإعلامي في صلب آلياتها الفاعلة، فقد جاء حراك وزارة الثقافة والإعلام ريادياً في إعادة الروح الى مفاصل مسرح التلفزيون وعودته من جديد ليؤدي دورة الفاعل ليكون منصة ثقافية فنية وطنية توظف الطاقات الشبابية ممزوجة بثراء تجربة الرواد من الفنانين المخضرمين الذين هاجروا لقنوات أخرى حيث افتقدتهم منصات الساحة المحلية على شاشاتها الرسمية التي احتضنت أعمالهم في بدايات حراكها التنويري المشهود له بالسداد، وذلك لظروف موضوعية وذاتية نستوعب دواعيها. ومنذ بدايات تشريفنا بالإشراف على مسرح التلفزيون فقد عملنا على ضخ الطاقات الشبابية الوطنية المبدعة المتخصصة، والتي تشاركنا العمل في كافة عناصر النشاط بما فيها قسم الابتكار والتخطيط والإخراج حيث هو الهدف الأسمى كي ينتقل مسرح التلفزيون من كونه منصة للعرض فحسب ليتحول إلى بيئة تحض على الإنتاج الاحترافي بكل عناصره. إن رؤيتنا التطبيقية تسعى إلى الريادة الثقافية الفنية في أن نؤدي الدور المنوط بنا ضمن الرؤية الأشمل لوزارة الثقافة والإعلام مساهمة في بناء مجتمع حيوي إبداعي حيث نرى بحقيقة كون تجربة مسرح التلفزيون هي تجربة ناجحة إقليمياً ودولياً، ويتميز المشروع في كونه مؤسساً ليساهم في إعادة نشر ثقافة المسرح والفنون المرتبطة به إلى حيز الوجود نظراً لانحسارها الملحوظ في العقود الأخيرة. وهو المشروع الذي أصبح واقعاً نعيشه. فمنذ إشعاعة رؤية المملكة 2030 انطلقنا بخطى جدية وواثقة وتم تقديم أعمال فنية وثقافية إبداعية أسهمت في انتشار الفن السعودي بهوية وطنية راسخة وتم إعادة إحياء التراث المسرحي من خلال الأعمال النوعية التي قدمها مسرح التلفزيون سواء على خشبة مسرحه الذي تم تأهيله من جديد ونفض غبار الزمن عنه ليستوعب 800 مقعد للجمهور، وطرح منتجاتنا الفنية التي لاقت قبولاً رفيعاً وصدى جماهيرياً أبرزها برنامج "يا تلفزيوني" الذي عرض على القناة الأولى السعودية في ساعة الذروة ضمن باقة برامج القناة لشهر رمضان المبارك في الموسم المنصرم، والذي حظي بإشادة الجميع كونه يمثل ارتقاء بالقيمة الفنية الوطنية بما يتواكب مع ذائقة المجتمع السعودي والعربي. وقد كان العمل مؤطرا بروح فريق عمل متكاتف نتاج منهج يحض على الابتكار والتطوير واستقبال الرؤى الإبداعية والارتقاء بمستوى الاعداد والنصوص وكل المؤثرات المرتبطة بالعمل من ديكور وتجهيزات بما يتلاءم ورؤية الفريق الاشرافي وجهاز الإنتاج وتوظيف المواهب الواعدة بتوائم تام مع المخضرمين من مشاهير الفنانين السعوديين الذين اثروا العمل بحسن تفاعلهم نتاج ما شهدوه من نقلة نوعية في الإعداد والإخراج. كما كان لمسرح التلفزيون دور فاعل من خلال تقديم أكثر من عرض مسرحي على خشبة المسرح بعد أن تم افتتاحه باحتفالية شهدت عرض أول إنتاج تلفزيوني مشترك بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية ممثلاً بمسلسل "حكيم" الكرتوني. وليس أبرز من إشراف مسرح التلفزيون على العرض الأوبرالي الياباني خلال فعاليات الأسبوع الثقافي الياباني في المملكة حيث عزفت الأوركسترا اليابانية في أول مشاركة لها في الشرق الأوسط مقطوعات عديدة جاء في مقدمتها عزف النشيد الوطني السعودي بما في ذلك من توثيق لمرحلة ذهبية للثقافة السعودية في حواراتها التفاعلية مع العالم. ولابد هنا من ذكر مشاركة المسرح النوعية كمراقب في المؤتمر الدولي لهيئة المسرح العالمية الذي عقد في مدينة سيغوفيا الإسبانية للاطلاع على أعمال هذه المنظمة العالمية والسعي للتقييم والإفادة من خبراتها المتراكمة في مجال تطوير المسرح السعودي بكل عناصره الفنية التي نرتجي له مواكبة الحراك العالمي لهذا الشأن الثقافي الحيوي في حياة الإنسان. كل ما تقدم لا يعدو كونه بدايات واعدة لعمل منهجي واثق مسلح بالعلم والدعم غير المحدود من جهاز وزارة الثقافة والإعلام الذي يقوده وزيرنا المستنير معالي د. عواد بن صالح العواد تحت ظلال قيادة رشيدة تحض على النماء في مملكة الأمل السعودية. وحيث إننا على وعي تام وعميق كأفراد وكجهاز إشرافي على مسرح التلفزيون بأننا لبنة من بناء رؤية بلادنا الغالية وبرنامج تحولها الوطني فإننا سنكمل المسار والعمل بروح الوطن وبخطوات واثقة لنعزز الوجود ضمن منظومة وزارة الثقافة والإعلام الرفيعة المقام وأن نساهم مع كل الأوفياء العاملين في هذا الجهاز الفاعل لأجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية للوزارة المكملة لأهداف دولة النماء مدركين كجهاز إشراف على مسرح التلفزيون أن الثقافة بما تحويه من طيف الفنون هي نهج حياة وسبيل لسعادة المجتمعات وتطويرها وبناء جسور الوصل والتفاهم مع الذات النبيلة، ومجمل ثقافات الإنسانية في أرجاء المعمورة. *مستشار وزير الثقافة والإعلام المشرف العام على مسرح التلفزيون