أيام قلائل وينطلق المهرجان الوطني للتراث والثقافة ومهرجان الجنادرية المسرحي، وإذا ما أراد منصف أن يتحدث عن المسرح المحلي بحيادية فلابد له أن يذكر «الجنادرية وأيامها المسرحية كرافد من أهم روافد الحركة المسرحية محليًّا»، حيث تتوافد الفرق المسرحية من كل مناطق المملكة عبر فروع جمعيات الثقافة والفنون والفرق المحلية ميممة نحو رياض المحبة للمشاركة في هذا الحدث كل عام. واليوم وبعد مرور كل هذه الدورات على هذا المهرجان، فإنه بات لزامًا على مَن يرصد المشهد المسرحي أن يتوقف عند كون هذا المهرجان المسرحي يمثل «ساحة لتلاقي الخبرات، وتنامي الوعي المسرحي، وتحريك ركوده». وإذا ما أردنا كمتابعين أن نتحدّث هنا بحيادية، فإننا يجب أن نقول إنه يُحسب لمن أسّسوا لهذا الفعل المسرحي، أنهم نجحوا كثيرًا في مسعاهم، فقد واصلوا العمل الجاد من أجل استمرار هذا الفعل المسرحي الجميل، وبذلوا الكثير من الجهود لكي يتحوّل مهرجان الجنادرية المسرحي حراكًا لا يقتصر على عدد من العروض التي تقدمها فروع جمعيات الفنون، بل هناك جهود مميزة يلمسها الراصد بحيادية لما يجري على أرض الجنادرية ومهرجانها المسرحي، حيث هناك العديد من التقاليد الجميلة التي تثري هذا الحِراك المسرحي، وترفد مسيرته، منها تلك الجلسات النقدية التي تعقب كل عرض مسرحي، وهذه الفعالية من شأنها الإسهام في شيوع ثقافة النقد المسرحي، وتهذيبه، والارتقاء به، وتربّي المسرحيين على تقبّل النقد والاختلاف الواعي بمحبة ورضا، فضلاً عن أن تلك المناقشات تسهم كثيرًا في إنضاج العروض المسرحية نفسها، ومحاولة الارتقاء بما يُقدم من عروض عبر بوابة النقد الهادف البناء. ولم يكتفِ هذا الكرنفال المسرحي بالعروض وجلساتها النقدية، بل توجّه نحو ملامسة آفاق المسرح، واستقراء واقعه، واستشراف مستقبله من خلال الندوات المصاحبة، وآخرها تلك الندوة التي سعدت بكوني مشاركًا فيها إلى جانب أساتذة أمثال أحمد الهذيل رئيس جمعية المسرحيين السعوديين، وعضوي اللجنة سامي الزهراني وعلي السعيد، أقول: ما تلك الندوة ومثيلاتها من الفعاليات المشابهة، إلاّ أكبر دليل على أن «مهرجان الجنادرية المسرحي» حدث مهم، وفعالية ناضجة تستلهم الوعي، وتستدني التفوق والنجاح من عليائه. والحديث عن مهرجان الجنادرية المسرحي يقودنا إلى أن نتحدّث عن شخص المشرف العام عليه الفنان محمد بن منصور المنصور، والذي أعلم أنه يفكر جديًا في إثراء حركة المسرح بالمزيد من الأفكار الناضجة، ولعلّ أقربها للذهن هنا فكرة طرح مشروع «24ساعة مسرح»، وهي رؤية جميلة لو تحوّلت واقعًا فسيُحسب لمحمد المنصور وللجنادرية أنها كانت منطلقًا لها، وبالتالي الانطلاق بالمسرح المحلي نحو آفاق أوسع لخدمة الحركة المسرحية. أحسب وأنا أتحدث هنا عن الحركة المسرحية المحلية ودور «مهرجان الجنادرية المسرحي» في إثراء هذا الحراك المسرحي بفعل ناضج وممارسات واعية، أنه يكفي القول إن فريق المشاهدة للعروض المشاركة بمهرجان الجنادرية، يجول أرجاء الوطن الحبيب لمشاهدة العروض وإجازتها والوقوف على مستواها وتصنيفها، وهذه الممارسات في مجملها هي وعي إداري وتنظيمي أبطاله: محمد المنصور، وعلي إبراهيم، وسمعان العاني، وآخرون معهم يستعذبون التعب والتنقل لأجل المسرح، وهنا أنا واثق من أن أؤكد أنهم بهكذا فعل يؤسسون لعمل منهجي ناضج، وفي ذات الوقت فهم بناة حقيقون لمسيرة المسرح من خلال مشاهدة العروض في المناطق، ثم عقد جلسات حوارية هادئة مع فريق العمل للعرض وتنويرهم بما هم في حاجة ماسّة إليه من رؤى إخراجية وفنية ترتقي بالعرض نفسه وبالممارسة المسرحية. ولأن المساحة هنا محدودة فإني سأختم بالقول إن مهرجان الجنادرية المسرحي يكفيه أنه منذ 18 عامًا وهو حاضر كحدث رغم وجود معوقات كثيرة، ويكفي مهرجان الجنادرية المسرحي أنه ملتقى لكل مَن يحملون همّ المسرح، حيث تتحوّل ردهات الفندق الذي تسكنه الفرق إلى حلقات نقاش، وميدان خبرة متبادلة بين عموم المشاركين، وإن كان هناك من رأي نطرحه فهو أن يتم استقدام فرق خارجية من الفرق المحترفة والمحترمة للمشاركة في المهرجان لكي يُستفاد ممّا تقدمه تلك الفرق في زيادة خبرات المسرحيين السعوديين. * رئيس قسم النشاط الثقافي بتعليم المخواة