القوانين عادة لاتستطيع أن تهزم الشر, ولكنها بالتأكيد تكبح جماحه, وتضيق دائرة اتساعه وتمدده وتأثيره السلبي على محيطه, وفي يوم من الأيام تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى غابة تتناهش سباعها وضباعها, وكثر اللغط وشخصنة الآراء, وتأليب العامة, الخوض في الأعراض, وعم السجال الذي يفتقد أدب الحوار وفروسية السجال, هذا قبل أن يضبط الأمر من قبل قانون النشر الإلكتروني . فلم يتوقف النشر أو التغريد أو التواصل الألكتروني, لكن دخلت المسؤولية إلى المشهد وبات هناك مصفاة لغربلة الطيش والجموح وفرز الأصوات المريضة والأقلام المتطرفة أو التي تحمل طاقات عنف لامتناهية ضد الآخر. والآن تحت قانون النشر الإلكتروني بات باستطاعة من يتعرض إلى اعتداء لفظي عبر وسائل التواصل الاجتماعي, أن يصور الإساءة ومن ثم يحولها إلى الجهات الأمنية لتكمل الباقي, بالطبع هذا سيكون له انعكاسات ايجابية واضحة على تنقية مناخ التواصل العام الذي بلغ في يوم ما حدا كبيرا من الإسفاف. هذا الانضباط القانوني نحتاج الآن أن يمرر إلى مجال العنف الموجه ضد المرأة سواء في الفضاء العام أو في نطاق العمل, وهو العنف الملتبس الهوية الذي لم ترسم حدوده أو تتضح معالمه وهويته, بينما المتهم على الدوام هو جاهز لايتغير... (المرأة ) التي غادرت الرف الذي وضعه فوقها المجتمع وبدأت تدخل في دوائر جديدة ولابد أن يجهز لها العقاب الرادع. والاشكالية الواضحة الآن أن الضحية لاتعرف توصيف الواقعة أو تميز الحالة التي تكون فيها تحت فعل عنف أو تحرش, فهذا النوع من الاعتداء, قد يتخذ كثيرا من الأساليب الملتوية المستدرجة التي تجعل من الضحية عاجزة عن دفعها عنها. فهو يتراوح بشكل تراتبي من أدناه عندما تتعرض للتحرش من سفلة القوم وغائبي المروءة والذين يرون أن مجرد وجود سيدة في الفضاء العام يكون واجبه عندها إطلاق غرائزه ضدها, وأعلاه قد تكون في نطاقات العمل عندما يتم التلويح بامتيازات وظيفية تربط طموح الموظفة بهذا. غالبية دول العالم والتي نزلت فيها النساء إلى سوق العمل قبلنا بعقود طويلة, استطاعت أن تسن لوائح تنظيمية صارمة في هذا المجال, بحيث تخلق مناخ عمل نقي وصحي وعلاقات مهنية قائمة على الاحترام والانضباط, واعتقد أن الاستفادة من هذه اللوائح التنظيمية أمر حيوي وهام وسيعطينا أرضية مناسبة لتأسيس نظام يتم الاستثمار به على مستوى واسع, في فرنسا على سبيل المثال هناك قانون جديد يتعلق بالتحرش الجنسي يتضمن فرض عقوبات أشد على المدانين به، ويرفع النص الجديد عقوبات التحرش إلى سجن سنتين و30 ألف يورو غرامة, بينما في الهند التي لديها مشكلة حقيقة في مجال التحرش بالنساء, فقد طالب أحد النواب بإنفاذ قانون يدين أي رجل يحدق بامرأة لأكثر من 14 ثانية. ورغم أن القانون الهندي المقترح يقترب من الطرفة, ولكنه يميز ويشرح للمرأة نفسها متى تكون ضحية لحالة تحرش, وهو الأمر الذي لابد أن يصاحبه بث وعي عال بين النساء العاملات لمعرفته والتصدي له, خاصة إذا رافق هذا لائحة عقوبات تفصيلية مخصصة لكل تعدي عليها في الفضاء العام . القوانين عادة لاتستطيع أن تهزم الشر, ولكنه بالتأكيد تكبح جماحه, وتضيق دائرة اتساعه وتمدده وتأثيره السلبي على محيطه.