يقف اليوم على صعيد عرفات الطاهر نحو مليوني حاج من جنسيات وأعراق مختلفة متجردين من كل ما يعلقهم بالدنيا لا يبتغون إلا فضلاً من الله ورضواناً في مشهد روحاني وتجمع إيماني تفردت فيه أمة الإسلام بين أمم الأرض. يوم عرفة يشكل لوحة بيضاء تعيد المسلمين إلى الرسالة السامية التي دعا إليها دينهم (إنما المؤمنون إخوة) و(لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)، وهي القواعد التي أسست لأعظم حضارة إنسانية في التاريخ حيث حملت السلام لكل الناس وساوت بينهم في الحقوق والواجبات وخلّصت البشرية من كل ما خلفته الحضارات السابقة من صور الظلم والطغيان. اليوم تتوحد الألسن في صوت واحد يردد عالياً (لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك) بعيداً عن أي أغراض دنيوية تحمل الرفث والفسوق والجدال، فيتفرغ كل حاج إلى ما ترك وطنه وولده من أجله ليؤدي المناسك التي شرعها الله بكل هدوء وطمأنينة. وفي هذا اليوم المبارك يستذكر المسلمون السنة العاشرة من الهجرة النبوية حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مخاطباً أهل عرفة ومن بعده أمته حتى يرث الله الأرض ومن عليها ليعلن (إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)، داعياً إلى نبذ الفرقة والاختلاف بين الأمة (فلا ترجعن بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده كتاب الله وسنة نبيه). مثل هذه المعاني السامية التي قررها الإسلام يجب أن تكون هي الرسالة التي يحافظ عليها أبناء الأمة وهي أمانة يحملها الجميع دون استثناء لتبقى في الطريق القويم (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس) ولتعود راعية للسلام في الأرض محققة لمعاني العدل والمساواة بين البشر.