المملكة كعادتها تستنفرُّ كُلَّ طاقاتها في موسم الحج كل عام لتوفير سُبُل الرَّاحةِ لضيوف الرحمن، وقد شهد العام الماضي 1437ه موسمًا ناجحًا للحجِّ أشادَ به كُلُّ قاصٍ ودانٍ، حتى أطلَقَ رئيس لجنة الحج المركزية، سموّ الأمير خالد الفيصل، تغريدته المشهورة (نجاح الحجّ يسوء المغرضين، ويُفْرِحُ الأصدقاء)، ويبدو أنَّ تلك المقولة لايزال صداها صادِقًا إلى يومِنا، فهناكَ مَنْ لا يريدون لمملكتِنا خيرًا، مَنْ يسوؤهم أن تلتَفَّ الجموع حول قياداتٍ سخَّرتْ نفسها لخدمة زوار بيت الله، وضيوف الرحمن، وجعلوا عِزَّهم في أن يكونوا خُدَّامًا للبيتِ العتيق. ويأتي موسم حجِّ هذا العام 1438ه، وقد حشدتْ المملكة كافة إمكاناتها وطاقاتها لكي تؤدي أفواجُ الحجيج مناسكها بأريحيَّة وسلامٍ، تلهج ألسنتهم بالشكر لقيادة المملكة التي لم تألُ جهدًا في تيسير سبل راحتهم وخدمتهم، وما قصرَّتْ لحظةً تجاه حاجٍّ من الحجاج الذين تُقَدَّر أعدادهم بالملايين. موسمٌ جديدٌ يحلّ، وتحدٍّ آخَر، تقف الملايين شهودًا على قدرة المملكة واستعدادتها لتلك المناسبة العظيمة، التي يتنادى فيها الناس بالحب والسلام، والسماحة في أبهى صورها. تلك السماحة التي تجعل قيادات المملكة الحكيمة تنأى عن الزَّجِّ بالخلافات السياسية لأنظمة معادية للمملكة، في أن تستقبلَ كافة الجنسيات بلا تمييز، وتقدِّم لهم الخدمات والتسهيلات دون أي انحيازٍ، إلا الانحياز للأخلاق العربية الأصيلة التي تعظِّم إكرام الضيف، وحفاوة استقباله. ويأتي موقف خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- ليُعْلِي تلك القيمة بإصدار توجيهاته السامية بفتح المنافذ البرية والبحرية أمام الحُجَّاجِ القطريين الأشقّاء، بل تكَفَّل بنقل الحجاج القطريين من مطارالملك فهد بالدمام، ومطار الأحساء الدولي إلى المشاعر المقدسة على نفقة مقامه الكريم. تلك هي الشهامة التي يتمتع بها أصحاب القلوب النقيَّة، والمواقف الحكيمة. وحين تأتي الدعوات بتسييس شعيرة الحج وتدويلها، ندرك أنّها دعوات خبيثة، مردودة على مُطلقيها، فما قصَّرتِ المملكة يومًا تجاه ضيوفها، وما خذلتْ جارًا، وما نقضتْ عهدًا، بل وفَّرت كافة التأمينات لحجاج بيت الله الحرام، فتأهّبت وزارة الداخلية بكافة طواقمها لإقرار الأمن والسلامة للحجيج، وانطلقت الكوادر الطبيّة لتقديم خدماتها في كُلِّ شِبرٍ. وأدَّى الجميع أدوارهم بكل احترافيَّة في ظلّ الظروف والتحديات الإقليمية الصعبة. إنّ المملكة ليست لقمة سائغة للعابثين، وهي مستعدّة لردع أي محاولة لتهديد أمنها، وتعكير صفو ضيوف الرحمن، ولن تتوانَ أبدًا في حماية الأراضي المقدّسَة. وإنّ خدمة الحجاج شرفٌ، يفخر مليكنا بلقبه "خادم الحرمين الشريفين"، وقد تعهد -حفظه الله- ببذل الغالي والنفيس لتوفير الراحة للحجيج، رافضًا أي تسييس لشعيرة الحج، أو استغلالها لتحقيق أهداف سياسية أو خلافات مذهبية. إننا نثق في قياداتنا الحكيمة، وقدرتها على إدارة موسم حجٍّ ناجحٍ، كالمواسم السابقة، بل أكثر راحةً وتنظيمًا، ونسأل الله أن يحفظ بلادنا، ويتقبل من ضيوف الرحمن حجَّهم، ويُنعم على الأمة الإسلامية بالأمن والسلام والرخاء.