وتبقى الإمكانات السياحية والترفيهية صفحة من صفحات كراس الفرص الاستثمارية والتنموية الواعدة المزدحم لمنطقة الجوف التي تزخر بثرواتها النباتية ومنها الزيتون لم يهتز إيماني في يوم من الأيام بأن المملكة عملاق اقتصادي يحتاج إلى من يوقظه من رقاده، لنشاهد واحداً من أعظم مشاهد التنمية في العالم. نعم، لم يكن البترول أبداً سوى أحد مكونات الثروات الطبيعية والجغرافية والمعدنية والتاريخية العظيمة التي أنعم الله بها على هذه البلاد، لكن "الزيت" شغلنا عنها، وأظن أن التوجه الجديد للبحث عن ثروات المملكة الأخرى، والاستفادة بجميع فرص الاستثمار الأخرى غير النفطية، تحول ذكي بالغ الأهمية لبلادنا، ولعلي هنا في هذا المقام ألقي بعضاً من الضوء على واحدة من أكثر مناطق بلادنا اكتنازاً بثروات وفرص استثمارية من شأنها أن تحقق لنا نقلة كبرى، وتسهم بقوة إن استغلت الاستغلال الأمثل في وضعنا على مشارف مرحلة اقتصادية جديدة متوافقة مع الرؤية الوطنية الطموح 2030. أتحدث هنا عن منطقة الجوف، المنطقة متنوعة الثروات، والإمكانات، الزاخرة بالفرص الاستثمارية الواعدة التي من شأنها أن تتجاوز تعزيز عوائد المملكة من الثروات غير النفطية، إلى فتح آفاق استثمارية واعدة نحن في أمس الحاجة إليها؛ لأن من شأنها حقن هدر المليارات التي ينفقها المواطن السعودي على السياحة الخارجية، ولاسيما السياحة الشاطئية والترفيهية حين يجد في بلاده البديل، بمواصفات عالمية، ومن دون أن يتكبد نفقة التنقل وأعبائه، وأيضاً من دون أن يصطدم بالثقافات المغايرة التي قد لا تتوافق أبداً مع ثقافته وتقاليده، ولا سيما في ظل ما نشهده اليوم من حصار عالمي لجميع مظاهر التدين من نقاب ولباس سباحة إسلامي، وأيضاً في ظل ما تمتلكه المنطقة من جو معتدل صيفاً يجعل منها متنفساً رائعاً للهرب من حرارة صيف المملكة الطويل القائظ الذي يضطر أسرها إلى الفرار منه إلى شواطئ العالم حيث درجات الحرارة المنخفضة، وهو ما يتوافر في الجوف الوجهة الخلابة وفيرة المياه التي لا ينقصها سوى الالتفات إلى مواصفاتها غير المسبوقة في غيرها من مناطق المملكة، بل في المنطقة، حيث بحيرة الجوف الصناعية الخلابة التي تعد أكبر بحيرة في المملكة، وهي غير مستغلة حتى الآن، ولن يحتاج المستثمر في قطاع السياحة والترفيه إلى بذل أي جهد في بناء الفنادق والمنتجعات حولها، كما لن تجد الدولة مشقة في إنشاء المتنزهات في محيطها؛ لأن محيطها من الأراضي الجرداء المنبسطة يجعل الطريق أمام استثمارها ممهداً وميسراً. وفي ظل المناخ المعتدل الذي تتمتع به المنطقة، ومع وجود مرافق سياحية راقية تجعل منها وجهة إقامة فاخرة، وبما تمنحه مسطحات المياه الهائلة في بحيرتها الصناعية من منظر ساحر، تصبح المنطقة مؤهلة لتكون واحدة من أبرز وجهات سياحة المؤتمرات في المنطقة، تعقد فيها مؤتمرات وندوات محلية ودولية كبرى كالتي تعقد حول البحر الميت، على سبيل المثال. وتبقى الإمكانات السياحية والترفيهية صفحة من صفحات كراس الفرص الاستثمارية والتنموية الواعدة المزدحم لمنطقة الجوف التي تزخر بثرواتها النباتية ومنها الزيتون، إذ تشتهر المنطقة بإنتاج الزيتون بكميات اقتصادية، وبالإضافة إلى ثرائها بمعدن الفوسفات بكميات تجعل من المملكة ثالث دولة على مستوى العالم بعد روسيا والمغرب في إنتاجه، بالإضافة إلى معادن أخرى تكتنز بها المنطقة الواعدة. أما كنز الجوف الكبير فيتركز في آثارها العظيمة غير المستغلة التي يضيق المقام عن ذكرها، إذ تحتاج ثروة الجوف من الآثار إلى صفحات وصفحات لرصدها، والكشف عن أهميتها العالمية، ولعلي في هذا المقام أكتفي بالتوقف أمام كنز واحد من هذه الكنوز، هو قرية بالجوف اسمها (الشويحطية)، ذهب علماء الآثار إلى أنها أقدم مكان عاش فيه الإنسان، وفق آثار عثر عليها في القرية، ما يعني أننا أمام كشف من العيار الثقيل من شأنه أن يجعل من المنطقة وجهة للمنظمات الثقافية والعلمية والتراثية ومراكز الأبحاث وأقسام التاريخ والطبيعة والجيولوجيا والبيولوجيا في جامعات العالم، وأيضاً وجهة للسياحة الثقافية التي يقدر محبوها بالملايين. ولعلي أستحضر هنا حديثاً لسمو نائب أمير الجوف الأمير عبدالعزيز بن فهد أعرب فيه عن اندهاشه من تقصير الإعلام في تسليط الضوء على إمكانات المنطقة الكبرى التي تؤهلها لصدارة الوجهات السياحية بالمملكة، وقد أشار سموه إلى بحيرة الجوف الصناعية واصفاً إياها بأنها الوحيدة من نوعها في الشرق الأوسط، وإلى آثارها، كما توقف أمام ثروتها من الزيتون، الذي يضعها في صدارة المصدرين له بالمملكة، ملقياً باللوم على الجهات الإعلامية لتقصيرها في نقل هذه الصورة إلى الخارج، في وقت تتمتع فيه مناطق لا تحظى بشيء من هذه الإمكانات بحظ أوفر من أضواء الإعلام.