يتساهل الكثير في تصوير المواقع الحساسة والأمنية، وكذلك بعض الأماكن والأشخاص ثم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي بدون تصريح أو إذن، وهذه التصرفات تم إدراجها ضمن جرائم المعلومات، وتم التحذير منها ومعاقبة من يقوم بهذا الفعل، وهنا لا بد من زيادة الاهتمام برفع مستوى المسؤولية، خاصةً لدى الشباب في قطاعات الحياة الاجتماعية المختلفة، إضافةً إلى أهمية تأدية المؤسسات الاجتماعية دورها كناصح وموجّه، وبيان الأضرار عبر المحاضرات والندوات، وذلك بالتعريف برجال الأمن ودورهم وأهمية سرية المعلومات الأمنية بكافة أنواعها. دون ضوابط في البداية يقول د. سليمان العقيل -أستاذ علم الاجتماع-: مع التغير الاجتماعي والانفتاح على المجتمعات الأخرى دون ضوابط قانونية وتوجيه وإرشاد للكثير من الموضوعات الثقافية الأخرى، استقطبها البعض بدون ضوابطها، ونُقلت إلى مجتمعنا، وبدأ البعض يمارس هذه المفاهيم والموضوعات بشكل موسع ودون مراعات للمحتوى الثقافي والاجتماعي للمجتمع، من هنا كان لا بد أن يكون بعض الصدام مع المحتوى المجتمعي والثقافة، وقد حاول البعض تجاوزها بالضغط على المجتمع وأنظمته من خلال ممارسة هذه الموضوعات والتشهير بالمجتمع ورميه بالتخلف والتدين المتشدد وغيرها، مضيفاً أنه تطورت ممارسة هذه المعطيات الوافدة غير المنضبطة لتنسحب على بقية حركة الحياة، خاصةً مع فتح نوافذ الفضاء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت، لتكون نافذة لممارسة جميع الممنوعات دون رقيب، ودون قانون رادع في إطار الحرية الشخصية والتحرر والانعتاق من تسلط المجتمع والدولة على الفرد -كما يزعمون-، مبيناً أن هذه الحرية والنوافذ استخدمت في جميع حالات الفرد (الغضب، الفرح، الغرور، الحقد، التسلط، التشفي، وغيرها)، ثم استخدمت لتكون نافذة يدخل منها العدو للمجتمع بدون عناء، كما أنها كوَّنت طابوراً معادياً للمجتمع وقنطرة للولوج فيه وتاريخه وثقافته وشخصياتها وأمنه وعناصر القوة والضعف والتماسك الاجتماعي وغيرها. توجيه وعقاب وأوضح د. العقيل أن التغير الاجتماعي بكل معانيه لا يعني الانقلاب على المجتمع أو عدائه أو ازدراء معطياته، بل إنه نوع من زيادة جودة الحياة والمعطيات الثقافية الأصلية من خلال عرضها على المعطيات الثقافية للمجتمع وليس استبدالها، لذلك كان من الواجب الاستمرار في التوجيه والعقاب وضبط المدخلات الثقافية بمجموعة من القوانين الرسمية وغير الرسمية لتحد من الحركة التغييرية المسعورة والتي قد يكون القصد منها الاستفادة والاختراق وفِي النهاية التدمير والاندثار، مضيفاً أنه يجب أن تعلن مجموعة من العقابات والضبطيات للكثير من المدخلات في شكل توجيه وتوعية وتحذير وتشهير وغيرها، وكذا زيادة الاهتمام برفع مستوى المسؤولية لدى الأفراد بالمجتمع، خاصةً الشباب في قطاعات الحياة الاجتماعية المختلفة حتى يتمكن المجتمع من التعرف على حجم وشكل وتأثير المدخلات ومدى توجيهها للشباب وفئات المجتمع الأخرى، ومن ثم وضع الجميع أمام مسؤليتهم تجاه مجتمعهم وتاريخهم وأمنهم بل ووجودهم الاجتماعي. تقصير المؤسسات وأكد د. علي العوبثاني -باحث ومفكر- على أن تصوير المواقع الحساسة الأمنية ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تُعد تصرفات غير مسؤولة، وسلوك اجتماعي غير منضبط، وتكشف تقصير المؤسسات الاجتماعية في القيام بدورها بشكل إيجابي في نشر ثقافة المحافظة على سرية المعلومات الأمنية، مضيفاً أن نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي له مخاطر كبرى على المجتمع بأسره، مبيناً أن دور المجتمع يتمحور في المؤسسات الاجتماعية والأسرة والأندية والمدرسة وأئمة المساجد والإعلام، إبتداءً من التنشئة الاجتماعية الصحيحة التي تساهم في بناء وصقل شخصية الفرد ليكون لبنة صالحة في المجتمع يعرف ماله وماعليه وتثقيفه ثقافة شاملة ومتنوعة حتى لا يقع في أخطاء دون علمه بمخاطرها عليه كفرد ومجتمع، خاصةً فيما يخص الدين والوطن والأمن، مُشدداً على ضرورة التخطيط العلمي السليم في التعليم والأوقاف والدعوة والإرشاد والإعلام والثقافة لمواجهة هذه السلوكيات الخاطئة غير المرغوب فيها، والتي تفشي المعلومات الأمنية وتشكل خطراً على رجال الأمن ومنشآتهم وعلى الفرد والمجتمع، مشيراً إلى أن الخطر يكمن في أمرين؛ الأول: تقديم معلومات المطلوبين للفرار، الثاني: المصور يوجه المتطفلين للتجمهر وهذا يعيق مهام رجال الأمن ويعرض الأبرياء للخطر ويكشف ويلفت الأنظار لتدابير رجال الأمن. سرية المعلومات وشدّد د. العوبثاني على أهمية تأدية المؤسسات الاجتماعية دورها كناصح وموجّه، وبيان الأضرار عبر المحاضرات والندوات والخطب، وكذلك اللقاءات والمنتديات والمسابقات والأمسيات الشعرية، وذلك بالتعريف برجال الأمن ودورهم وأهمية سرية المعلومات الأمنية بكافة أنواعها، وأن العقوبات صارمة على من يرتكبها بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية حسب ماجاء في المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وعلى الجميع التفاعل الإيجابي مع الأنظمة وتنفيذها والمحافظة على سرية مهام وتدابير رجال الأمن وأماكن تواجدهم ومنشآتهم، وأن الأمن مسؤولية الجميع وعملية حفظ الأمن عملية تعاونية تشاركية تكاملية. تسريب الوثائق وتحدث محمد سليم العطوي -عميد متقاعد وعضو المجلس البلدي بتبوك- قائلاً: إن تسريب الوثائق والمعلومات السرية من الجرائم المعلوماتية التي يعاقب عليها القانون وهو ما أطلقته هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في يوم الأحد 9 ربيع الثاني 1435ه من خلال حملة توعوية للتعريف بنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والحاجة الملحة للتوعية بمخاطر الجرائم المعلوماتية وآليات التعامل معها، والتي من أبرزها تسريب الخطابات السرية والوثائق الرسمية، وقد وضعت عقوبة مشددة بالسجن مدة لا تزيد على (20) سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معاً، خاصةً التي تتعلق بأمن الدولة أو بأي مصلحة عامة من خلال الإضرار بمركز الدولة السياسي أو الأمني أو العسكري أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وكل ما من شأنه الإخلال بالمحافظة على سرية المعلومات، مضيفاً أن بعض الموظفين يضعون ثقة كبيرة في أصدقائهم بإطلاعهم على أسرار عملهم أو يرسلوها لرؤسائهم عبر وسائل التواصل مما ينتج عنه تسريبها ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والبعض يود أن يجلب أكبر عدد من المتابعين عن طريق نشر تلك الوثائق السرية والرسمية، وآخرون يدعون أن نشر تلك الخطابات الرسمية الغرض منه كشف فساد في قطاع معين رغم أن الدولة وضعت جهات مناط بها هذه المهام منها هيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة، متجاهلين أن هناك عدو يتربص بكل شاردة وواردة، مشيراً إلى أننا بحاجة ماسة لرادع قوي ضد كل من تسول له نفسه خيانة الأمانة وحفاظاً على الجانب الأمني والوطني. ممنوع التصوير وأوضحت بيان محمود زهران -محامية- أنه لا يوجد منع إلاّ في حال تم وضع لوحة ممنوع التصوير، مضيفةً أن العقوبات تكون بحسب حجم الضرر، وإذا -مثلاً- تم نشر معلومات يتم من خلالها المساس بالنظام العام وأمن الدولة تختلف العقوبات بحسب حجم الضرر الواقع، وبالتأكيد إذا كان الهدف من التصوير التشهير في الآخرين وإلحاق الضرر بهم فهذا يعد مخالفة للمادة الثالثة من نظام الجرائم المعلوماتية، مبينةً أن الجريمة تتم وفق الهدف منها والقصد الجنائي من قبل الجاني، ويعد القصد ركن من أركان الجريمة، ولا بد أن يكون هناك ضرر لحق بالآخرين، مشيرةً إلى وجود علاقة سببية بين فعل الجاني -الركن المادي- والضرر الناتج عن هذا الفعل، حتى تكتمل أركان الجريمة ويتم بعدها محاكمته وفق أحكام النظام. إجراءات متفاوتة وأكد د. ياسر بن صالح البلوي -مستشار قانوني- على أنه يجب أن نفرق بين نوعين من المخالفة وهي التي تكون بحسن نية أو المقصود منها التخريب وزعزعة الأمن بشأن تصوير المناطق الحساسة والمناطق الممنوع تصويرها، مضيفاً أن تنظيم التصوير في الأماكن العامة أشار إلى إجراءات متفاوتة بحيث تتعامل معها الجهات الضابطة مع كل مخالفة بما تقتضيه المصلحة من حيث هذا القصد الجنائي، ففي حالة الاشتباه في قيام شخص بتصوير أماكن بطريقة مشبوهة يتم فحص الكاميرا خاصةً "الديجيتل" التي تعرض ما بداخلها فوراً، ليتم اتخاذ اللازم معه حسب ما يظهر من الصور الملتقطة إذا كانت ممنوعة أو مسموح بها، فيكتفى بمسحها وأخذ التعهد عليه بعدم المخالفة مرةً أخرى إن كانت مبعثها التصوير بحسن نية أو عدم العلم بمنع التصوير فيتعامل معها فوراً في موقع المخالفة وتتلف الصور أو تصادر الأدوات حينها ما لم تتكرر المخالفة، أما إن كان التصوير الذي يشك بهدفه كالتخريب أو التجسس أو الإساءة لسمعة المكان فيحال للجهة الأمنية ذات العلاقة لاتخاذ اللازم معه حسب التعليمات، لافتاً إلى أن العقوبات في حال المخالفات فلم يرد فيها نص نظامي يحدد العقوبة المفترضة وبالتالي يترك العقاب للقاضي الجزائي بما لديه من سلطة التعزير المطلق على مخالفة الأنظمة. سلوك مجرّم وقال د. إبراهيم زمزمي -محامي ومستشار قانوني-: بالنسبة للعقوبات فوفقاً للائحة تنظيم التصوير في الأماكن العامة بالنسبة للإجراءات التي تقوم بها الجهات تجاه من يقوم بتصوير المواقع المحظورة، فإنه في حالة الاشتباه في قيام شخص بتصوير أماكن بطريقة مشبوهة يتم فحص الكاميرا خصوصاً "الديجيتال" التي تعرض ما بداخلها فوراً ليتم اتخاذ اللازم معه حسب ما يظهر من الصور الملتقطة، إذا كانت ممنوعة أو مسموحاً بها، أما التصوير الذي يُشك بهدفه كالتخريب أو التجسس أو الإساءة لسمعة المكان فيحال المخالف للجهة الأمنية ذات العلاقة -أقرب مركز شرطة- لاتخاذ اللازم معه حسب التعليمات، مضيفاً أن تصوير المواقع الأمنية الحساسة ونشرها على مواقع التواصل هو سلوك مجرّم نظاماً لأنه يعد مساساً بالنظام العام وفقاً لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، حيث يعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين، مبيناً أنه لا تختلف كثيراً المواقع الأمنية الحساسة من موقع لآخر؛ لأنها تكون على نفس القدر من الأهمية وتكون مكملة لبعضها البعض، وتصويرها ونشر هذه الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد يعرض المنشآت الأمنية وحياة رجال الأمن لمخاطر جسيمة. وشدّد على ضرورة الحذر من تصوير هذه المواقع الأمنية الحساسة ونشر هذه الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي لما في ذلك من تعريض المنشآت الأمنية وحياة رجال الأمن للخطر، بما يعد إخلالاً بأمن البلاد، مشيراً إلى أن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي يقدمون المساعدة بدون قصد أو وعي للعناصر الإرهابية من خلال تصوير هذه المواقع ونشرها، داعياً المواطنين والمقيمين إلى تجنب هذا السلوك والتفاعل الإيجابي الذي يعزز استقرار الوطن.